على ذلك مدة إلى أن سأل الإعفاء من شميميس ، فأجيب ، وحضر نائبه إليه وبقي الأمير عز الدين متوليا بعلبك ، وقلعتها مدة أربع سنين كوامل ، ثم طلب إلى الديار المصرية ، وولي قلعة الرحبة ، وأعمالها وما قاربها فتوجه إليها على كره ، وزاد الملك الظاهر اقطاعه ، ولما وصل إلى الرحبة تجرد لكشف الأخبار وأخذ ما جاوره من بلاد العدو ، فقام في ذلك المقام المحمود ، وفعل ما لا تسمو إليه همة من أخذ بلاد العدو ، فقام في ذلك مما يطول شرحه من شن الغارات عليهم ، ونهب جشاراتهم ، وقطع الطريق على سفارتهم ، ولم يزل على ذلك إلى حين وفاته ، وكان عنده معرفة بالنجوم ، وإلمام بالفضيلة ، ومحبة لها ولأهلها ، وديانة كثيرة ، وغيرة مفرطة ، وكرم طباع ، وسعة صدر ، وشدة حياء ، لا يخيب من قصده في حاجة ، ولا يطلب أحد رفده إلا ويبره بأكثر ما في نفسه ، وإن أهدى أحد له هدية كافأه بأكثر منها ، وكان له عقيدة في الفقراء والصلحاء ، وإيمان بكراماتهم لا ينكر من ذلك من يخرق العادات ، وكانت وفاته في رابع عشرين رمضان المعظم بقلعة الرحبة ودفن بظاهرها ـ رحمهالله تعالى ـ وهو في عشر الستين.
ولما كان ببعلبك تزوج كريمتي ، واتفق توجهها إليه ومعها والدتي وأنا إذ ذاك في الحجاز الشريف ، وهي تتشوق إلي ، فتوجهت في شهر رجب وأقمت ، فتوفي المذكور وأنا هناك ، فاستصحبت الأهل ووولد الأمير عز الدين المذكور ـ رحمهالله تعالى ـ وغلمانه ، وعدت بهم إلى دمشق فورد علي كتاب صاحبنا الموفق عمر بن عبد الله الآتي ذكره من بعلبك إلى دمشق يتضمن الشوق والتهنئة بالسلامة ...
خاص ترك الكبير ركن الدين المشهور بالشجاعة والاقدام والتقدم عند الملوك ، وهو من غلمان الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل ، وكانت وفاته بكرة الأحد ثاني عشر ربيع الأول برحبة خالد بدمشق ، ودفن عند حمام النحاس بسفح قاسيون ، رحمهالله تعالى ...