الملك الظاهر ، كتب إلى البرواناة تتضمن : أننا وقفنا على ما كتبت به إلينا ، وها نحن على أثر رسلك ، فكن على أهبة فيما عزمت عليه من اجتماع الكلمة على العدو المخذول ، فاحضروا القصاد عند أقتاي نوين فعزم على قتل من في العسكر من المسلمين ، فأشار سمعان عليه أن لا يفعل فإنهم يلجأون إلى أهل البيرة ، فيقووا بهم على قتالنا فتتركهم إلى أن ننفصل ونرحل ، ونقتلهم في بعض الأماكن ، ونقتل معهم البرواناة ، فأمر بحملهم إلى البرواناة فأنكرهم ، وقال : هذا مكيدة من صاحب سيس ، فقبلوا ذلك منه في الظاهر ، وقالوا : شأنك والقصاد فقتلهم وطاف برؤوسهم في العسكر ، ثم سيرت الكتب إلى أبغا من غير علم البرواناة ، ولما امتد حصار القلعة وعصيانها أرسل أقتاي نوين إلى سيف الدين بكلربكي ، وحسام الدين بيجار يستشيرهما فأجاباه : هذه القلعة حصينة ، وعساكر صاحبها قريبة وفيها ذخائر كثيرة ، وعساكرنا قد ضعفت من الغلاء والوباء ، والرأي الرحيل فرحلوا يوم السبت سابع عشر جمادى الآخرة بعد أن أحرقوا مجانيقهم ونهبوا أسواقهم بأيديهم.
ولما بلغ الملك الظاهر ، وهو بدمشق نزول التتر على البيرة أنفق على العساكر فوق ستمائة ألف دينار ، وخرج يوم السبت سابع عشر جمادى الآخرة ، وهو يوم رحيل التتر عن البيرة ، فاتصل به خبر رحيلهم بالقطيفة فتم إلى حمص ، وترادفت الأخبار عليه بتفريق شملهم فعاد إلى دمشق ودخلها يوم الخميس سلخه ، ثم خرج منها يوم السبت ثاني شهر رجب ومعه جميع العساكر ، ووصل القاهرة يوم الثلاثاء ثامن عشره ، وكان قد اجتمع بالقاهرة رسل الملك المظفر صاحب اليمن ، ورسل الانبروز ، ورسل الجنويين ، ورسل منكوتمر بن تولي خان بن جنكز خان ملك المسلمين من التتر ، ورسل اللان ، ورسل الأشكري وعدتهم خمسة وعشرون رسولا ، فركبوا وتلقوا الملك الظاهر على بركة الجب ، ورجلوا وقبلوا الأرض فسلم عليهم ، وأمرهم بالركوب ودخل القلعة.