وأما البرواناة وعساكر الروم فإنهم استشعروا من أقتاي ، بسبب القصاد ، فلما رحلوا عن البيرة فارقوهم وعبروا الفرات قاصدين ملطية ، وبلاد الروم ، فلما وصلوا أوطانهم تيقنوا أن لا مقام لهم في الروم مع التتر ، فأجمعوا رأيهم مع البرواناة على منابذتهم ، فاستحلف البرواناة حسام الدين بيجار النابتري وولده بهاء الدين مقطع ديار بكر ، وشرف الدين الخطير ، وضياء الدين محمود أخاه ، وأمين الدين ميكائيل على أن يكونوا مع الملك الظاهر يعادون من عاداه ، ويوالون من والاه ، فلما بلغ ذلك مجد الدين أتابك ، وجلال الدين المستوفي أنكر على البرواناة ، ولما اطلع الأمير سيف الدين بكلربكي على ذلك لزم بيته ، ثم سير البرواناة رسولا بنسخة اليمين بدعاء نور الدين بريز ، ويطلب من الملك الظاهر عسكرا يستعين به وأن يكون السلطان غياث الدين على ما هو عليه من الجلوس على التخت ، على أن يحمل له ما كان يحمله إلى التتر ، فأجابه الملك الظاهر بالشكر والاعتذار بأن العسكر لا يمكنه الدخول إلى هذه البلاد إلا بعد انقضاء الربيع ، ويقع العزم على التوجه إليك إن شاء الله تعالى.
ذكر استئصال شأفة النوبة
كان داود ملك النوبة أغار على سرح عيذاب سنة إحدى وسبعين ، وقتل من فيها من التجار ، ووفد على الملك الظاهر شكندة ابن عم داود متظلما منه ، وزعم أن الملك كان له ، وأنه تغلب عليه فلما استقر الملك الظاهر بقلعة الجبل ، بعد عوده من الشام تقدم إلى الأميرين : عز الدين الأفرم ، وشمس الدين الفارقاني بالمسير إلى النوبة وأصحبهما ثلاثمائة فارس وشكندة ، وأمرهما بتسليم البلاد إليه على أن يكون ربعها للملك الظاهر ، فخرجوا يوم الاثنين مستهل شعبان فوصلوا دنقلة في ثالث شوال ، فخرج إليهم ملكها داود ، وأخوه جنكو ، ومن عندهما على النجب الصهب بأيديهم الحراب ، وليس عليهم ما يقي من السهام ، غير أكسية سود تسمى الدكاديك ، فانهزموا وقتل منهم ما لا يحصى ، وأسر