[نصر بن] صالح بن مرداس ، وهو صاحب المكاتبة إلى سديد الملك ابن منقذ صاحب شيزر.
وشرح الحال في ذلك أن سديد الملك أبا الحسن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني كان يتردد إلى حلب قبل تملكه شيزر ، وصاحب حلب يومئذ محمود المذكور ، فجرى أمر خاف سديد الملك على نفسه منه ، فخرج من حلب إلى طرابلس الشام وصاحبها يوم ذاك جلال الملك ابن عمار فأقام عنده ، فتقدم محمود بن [نصر بن] صالح إلى كاتبه أبي نصر محمد المذكور أن يكتب إلى سديد الملك كتابا يشوقه ويستعطفه ، ويستدعيه إليه ففهم الكاتب أنه يقصد له شرا ، وكان صديقا لسديد الملك ، فكتب الكتاب كما أمر إلى أن بلغ إلى إن شاء الله تعالى فشدد النون ، وفتحها ، فلما وصل الكتاب إلى سديد الملك عرضه على ابن عمار ، ومن بمجلسه من خواصه فاستحسنوا عبارة الكتاب ، واستعظموا ما فيه من رغبة محمود فيه وايثاره لقربه ، فقال سديد الملك إني أرى في الكتاب ما لا ترون ، ثم أجابه عن الكتاب بما اقتضاه الحال ، وكتب في جملة الكتاب : أنا الخادم المقر بالإنعام وكسر الهمزة من أنا وشدد النون ، فلما وصل الكتاب إلى محمود ووقف عليه الكاتب سرّ بما فيه ، وقال لأصدقائه : قد علمت أن الذي كتبته لا يخفى على سديد الملك ، وقد أجاب بما طيب نفسي ، وكان الكاتب قد قصد قوله تعالى : (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ)(١) فأجاب سديد الملك بقوله تعالى : (إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها)(٢) فكانت هذه معدودة من تيقظ الكاتب وفهمه ، وتيقظ سديد الملك ابن منقذ أيضا وإفراط ذكائه ، وفطنته وكلاهما غاية في ذلك ، وابن منقذ أشد فطنة في هذا الموطن ، والله أعلم.
سليمان بن داود بن موسك أبو الربيع الروادي الهذباني ، أسد الدين ابن
__________________
(١) سورة القصص ـ الآية : ٢٠.
(٢) سورة المائدة ـ الآية : ٢٤.