الأمير عماد الدين ابن الأمير عز الدين ، من بيت الإمرة والتقدم والاختصاص بالملوك ، كان والده عماد الدين أخص الناس بالملك الأشرف بن العادل ، وأظن بينهما قرابة من جهة النساء ، وجده الأمير عز الدين موسك كان من أكابر أمراء صلاح الدين وذوي المكانة عنده ، وله به اختصاص عظيم ، وقرب كثير ، موصوف بالكرم والفطنة ، أما كرمه فمشهور لم يخيب مؤمله ، بل ينوله مقصوده بما له وجاهه ، وأما فطنته فحكى لي عنه أن ركن الدين محمد الوهراني المشهور كان قدم الديار المصرية في الأيام الصلاحية ، وتعرض للأمير عز الدين مسترفدا له ، فأمر له بشيء لم يرضه ، فحضر مجلس الأمير عز الدين أحفل ما يكون وقال : يا مولانا قد احتجت أن أحلق رأسي في هذه الساعة ، واشتهي أن تأمر بعض الطشت دارية أن يحلقه بحضرتك ، فأمر بذلك ، فلما حضر الحلاق فهم الأمير عز الدين ما أراد بذلك ، فقال لبعض مماليكه أعطه مائة دينار ، قال له : يا ركن الدين احلق بها رأسك غير هنا ، فأخذها وانصرف ، وهو شاكر ، فقال بعض الحاضرين للأمير عز الدين في ذلك؟ فقال : أراد أن الحلاق إذا حلق يقول له : يا مهتار موسك نجس ، فيشتمنا في وجوهنا بحضوركم ، فافتدينا منه بهذه الدنانير ، فعرف بذكائه مراد الوهراني ، وكان أسد الدين صاحب هذه الترجمة عنده فضيلة ، وله يد جيدة في النظم ، وترك الخدم ، وتزهد ولازم مجلس العلماء ، ولبس الخشن من الثياب ، وكان له نعمة عظيمة ورثها من أبيه ، فأذهب معظمها ، ولم يبق له إلا صبابة يسيرة تقوم بكفايته ، يقتنع بذلك إلى حيث توفي إلى رحمة الله تعالى بدمشق في يوم الثلاثاء مستهل جمادى الأولى من هذه السنة ، ودفن بسفح قاسيون ، ومولده بالقدس الشريف في حدود سنة احدى وستمائة تقريبا رحمهالله ...
ولم يشب رأسه ولحيته إلا شعرات يسيرة جدا مع كونه نيف على سبعين سنة.