تتحاسدان على قربنا ، وما زال يغري بين الجيرة الحسد ، ورأسا وجسدا فرق بينهما النصر ، ولا بقاء للرأس بعد زوال الجسد ، ولما أمكن الله من القلعة الواحدة لم نر أن نبشر بالأولى ، حتى نبشر بالأخرى ، ولا أن نقصر الأعلام على الإعلان بالبطشة الصغرى ، حتى نجمع إليه الإعلام بالبطشة الكبرى ، ولما جاز القصر والجمع في الفروض المؤداة في هذه السفرة المباركة قصرنا وجمعنا في أداء هذه البشرى ، وكتابنا هذا وقد منّ الله بهما علينا ، وقال الاسلام : هذه بضاعتنا ردت إلينا ، ذلك في سابعه يوم الأحد سلخ شهر رجب المبارك ، وبحمد الله قد أصبحت تلك الضالة التي فقدها الاسلام منشودة ، وتلك العارية التي استولت عليها يد الكفر مردودة فشكر لسيف رد الضالة واردى الضلالة ، ومضى لا يكل حتى استفتى في الكلالة ، وأحاله فرض الجهاد على الكفر بحق ، فاستخلص بحول الله وقوته تلك الحوالة ، فليأخذ المجلس السامي حظه من هذه البشرى بما جعله الله للمتقين من عقبى الدار ، وبما قدره من انقياد الكافرين صاغرين في قبضة الإسار ، وبما سهله من عتق من كان فيها من الحرم والأطفال والصغار ، وليملأ بحسن هذا الخبر المسامع ، وليعمر بذكره المجامع ، والجوامع ، فطالما اشتاقت إليه أعواد المنابر ، وانتظرت ايداعه في سرائر السر ألسنة الأقلام وأفواه المحابر ، والله تعالى يوفق المجلس فيما يحاول ويحاور إن شاء الله تعالى.
ثم رحل بعد أن رتب بها عسكرا في عاشر شهر شعبان منها وبعث أكثر الأثقال إلى دمشق ، وسار إلى طرابلس فشن عليها الغارة وأخرب قراها ، وقطع أشجارها وغور أنهارها ، وذلك في رابع عشر الشهر ، ورحل إلى حصن الأكراد ، ونزل المرج الذي تحته ، فحضر إليه رسول من فيه باقامة وضيافة ، فأعادها عليهم وطلب منهم دية رجل من أجناده كانوا قتلوه مائة ألف دينار ، ثم رحل إلى حمص ، ثم إلى حماة ، ثم إلى أفامية ، ثم سار ونزل منزلة أخرى ، ثم رحل ليلا وتقدم إلى العسكر بلبس العدة ،