المنون ، فما نزلنا من ظهر جوادنا إلا على ظهر جبلها الذي جرته عن يمينها جنيبا ، ولا ألقينا عصى التسيار حتى حملنا أعواد المجانيق على عاتقنا لنقدمها إلى الله تقربا وإليهم تقريبا ، وللوقت نفخ أمرنا في صور الإيعاز بالمضايقة ، ونشر العالم في صعيد وأخذ للمسابقة إلى صعودها والمساوقة ، وفي الوقت الحاضر اجتمعت أعضاء المجانيق المنفصلة ، وتخطت في الهواء كفالها المنتعلة ، واعتزلت كل فرقة من أوليائنا بمنجنيق تقيمه وأعجب شيء أنها الظاهرية وأصبحت المعتزلة ، وعن قريب أهوت إلى الأعداء محلقة صقور الصخور ، وتتابعت حجارتها إليهم عندما حصلت من المجانيق في الصدور ، فبعثرت من أجسادهم المرسومة بالقلعة ما في القبور ، وكانت هذه القلعة المذكورة قد قسمها العدو قسمين ، وخاصم الإسلام منها بخصمين ، وجعلها قلعة دون قلعة ، وصيرها ملكا مقسوما حتى لا تكون فيه شفعة ، وجعل أحديهما مهبط قتاله ومحط نزاله ، ومأوى رجاله ، والأخرى مستودع نفسه وماله ، فلما أحسوا بأسنا ورأوه شديدا ، وشاهدوا حزمنا عتيدا ، وعزمنا مبيدا اقتحموا الأسوار بتسورها الرجال ، والمجانيق تحف بهم عن اليمين وعن الشمال ، وضعفوا عن أن يحموا من تلك القلل جهتين ، أو أن يقتسموا بهما فئتين ، أو يجمعوا مع كفرهم إلا ما قد سلف بين الإختين ، أو أن يغدو نجس شركهم إلا وهو فيما دون القلتين ، حرقوا ما بالقلعة من مصون ، وأضرموا بها نيرانا أعجب شيء كونها لم تطف بما أجروه من الجفون ، وغالبتهم اليد الإسلامية قبل تركها ، ودخلتها عليهم قبل الخروج عن ملكها ، وذلك يوم الأربعاء سادس وعشرين شهر رجب المذكور ، وكانت المجانيق ترمي عليها ، فصارت ترمي منها ، وتصدر حجارتها إليها فصارت تصدر عنها ، وتملكناها معقلا شيده لنا العدو وبناه ، وحصنا منيعا دافع عنه حتى تعب ، فلما تعب أخلاه وخلاه ، وأصبح بحمد الله شك فتوحها لنا يقينا ، وما كان من خنادقها وأسوارها يقي الكفار ، غدا يقي عساكرنا ويقينا وصارتا جارتين