المبارك سنة ست وستين وستمائة ، بعد أن سلكنا إليها في أوعار تتعثر بها ذيول الرياح ، وهبطنا في أودية لا يأنس فيها إلا بمجاوبة الصدى لقعاقع السلاح ، وصعدنا في جبال لا يرى الأشباح ، منها إلا كالذر ، والذرى إلا كالأشباح ، وهذه القلعة من وجه هذه الشواهق بمكان الغرة ، ومن كتابها بمنزلة الطرة ، كأنها سمع تناجيه النجوم بأسرارها ، أو راحة بما بسطته من أصابع شرفاتها وتلك البواشير منها بمنزلة سوارها ، يكاد الطرف ينقلب عنها خاسئا وهو حسير ، وكل ذي جناح يغدو دون منالها يطير ، قد أحكم فلا أيدي المعاول لأطراف أسوارها مجاذبة ، وحصن فناؤها فلا غير الغمائم لها مجاورة ، ولا غير الرعود لها مجاوبة ، قد تحصن بها من الكفر كل مستقل ، وتوطنها منهم كل جاهل يرجع في التحصن بها إلى منعتها ، وكيف لا وهو لها مستعقل ، وقد انتخبهم الفرنج من بينهم انتخاب المناضل ، بسريع سهامه ، والمفاضل لبديع كلامه وحلوا منه ذروة بعيدة المنازل ، وتوقلوا صهوة لا تتخطى إليها الآمال ، وكنا كما قد علم المجلس السامي أعزه الله قد سيرنا إليها العساكر الشامية تمسك منها الخناق ، وتأخذ منها بمجامع الأطواق ، فحفت بها كما حفت الخواتم بالخناصر ، أو كما حفت بالعيون الأهداب ودارت حولها سورا ما له غير الخوذ من شرفات ، وغير نواهد الخيل من أبراج ، وغير حنايا السيوف من أبواب ، وأحدقت بثغرها كما تحدق الشفاه بالثغور ، وأطافت بها قبل إطافتنا كما يطوف البند قبل المنطقة بالخصور ، وأقامت السمهرية ترمقهم بزرق عيونها والمشرفية ، تتناعس لاستنامهم بتغميض جفونها ، وبقيت ألسنة الصناجق في أفواه غلفها صامتة لسماع الزحافات مصغية ، وكواسر الآساد في آجامها من الرماح السمهرية مقعية ، وصارت السهام في كنائنها تقلق ، وأخشاب المجانيق لتفرق أجزائها تفرق ، إلى أن بعثنا الله من فتحها إلى المقام المحمود ، وانقضت مدة إرجائها في يد الكفر وما كان تأخيره إلا لأجل معدود ، ونزلنا ربعها بالعساكر التي سيوفها مفاتيح الحصون ، ورماحها أرشية