إماما عالما فاضلا متبحرا ، انتقلت به الأحوال وولي المناصب الجليلة ، كنظر الدواوين ، والوزارة ، وقضاء القضاة ، ودرس بالمدرسة الصالحية النجمية للطائفة الشافعية ، وبالمدرسة المجاورة لضريح الامام الشافعي رحمة الله عليه وبغيرها ، وتقدم عند الملوك تقدما عظيما ، وكانت له الحرمة الوافرة والمكانة العظيمة عند الملك الظاهر ركن الدين ، وهو أحد العلماء المشهورين والرؤساء المذكورين ، ذا ذهن ثاقب وحدس صائب ، وجد وعزم وحزم ، ورأي سديد ، مع النزاهة المفرطة ، وحسن الطريقة ، وجميل السيرة ، والصلابة في الدين ، والتثبت في الأحكام ، وتخير الأكفاء لولاية المناصب لا تأخذه في الله لومة لائم ، ولا يعدل عما يوجبه الشرع الشريف من الأحكام ، والناس كلهم عنده في ذلك سواء لا يراعي أحدا ، ولا يداهنه ، ولا يقبل شهادة من يوجب الشرع الشريف التوقف في قبول شهادته ، وما ارتاب منه أسقطه ، وكان قوي النفس عالي الهمة ، ومولده في مستهل شهر رجب سنة أربع عشرة وستمائة ، وتفقه وسمع من أبي الفضل جعفر بن أبي الحسن الهمذاني وغيره ، وحدث وأفتى وكانت وفاته في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب ، ودفن من الغد بسفح المقطم رحمهالله ، وكان لقوة نفسه ، وعظم محله يترفع في قعوده على الصاحب بهاء الدين وزير الملك الظاهر ، ولا يحتفل بأمره ، فكان ذلك يعظم على الوزير ، ويقصد نكايته فلا يقدر على ذلك ، ولا يستطيعه ، ولا يجد عليه مطعنا ، فكان يوهم الملك الظاهر أن للقاضي أموالا ، ومتاجر كبيرة ، ويقصد تقرير ذلك في ذهن الملك الظاهر ، واتفق أن بعض التجار ورد الاسكندرية وذكر لأرباب الزكاة ما معه من المتجر ، والمال ، وقام بما جرت به العادة ثم وجد معه ألف دينار غير ما اعترف به ، فأنكر عليه ذلك فقال ما هي لي ، وإنما هي معي وديعة للقاضي تاج الدين ، فكتب بذلك إلى الوزير ، فقال للملك الظاهر ليحقق ما قرره عنده ، فسأال الملك الظاهر القاضي تاج الدين عن ذلك فما رأى أن يعترف ليحصل غرض الوزير ، ولا أمكنه أن ينكر لكونها له