دمشق ، فعاد معه واجتمع به الأمير ركن الدين البندقداري ، وأطلعه على شيء مما عزم عليه ، فأغلظ له في الجواب ونهاه عن ذلك وصده بكل طريق ، وقال له : لو كان للملك المظفر في عنقي يمين لأخبرته بذلك وأطلعته عليه ، فإياك إياك أن تقع في ذلك فأظهر له الاصغاء إلى قوله ، وفعل ما كان عزم عليه من قتل الملك المظفر رحمهالله ، ولما استقل بالسلطنة عظم الأمير جمال الدين في عينه ووثق به وسكن إليه ، وكان عنده في أعلى المراتب ، وأعطاه إقطاعا عظيما ، وكان يرجع إلى رأيه ، ومشورته في الأمور الدينية ، وما يتعلق بالقضاة والعلماء والمشايخ ، وأرباب الخرق فإنه لم يكن يعدل عن رأيه في ذلك البتة ، وجهزه في هذه السنة إلى بلاد سيس والساحل مقدما على طائفة من الجيش ، والأمير سيف الدين قلاوون الألفي مقدما على طائفة أخرى ، فأغاروا وغنموا ، وقتلوا وسبوا ، وأسروا وفتحوا حصونا كثيرة ، وعادوا في شهر رمضان ، واجتازوا ببعلبك ، وكان بيننا وبين الأمير جمال الدين رحمهالله صحبة ومعرفة ومودة ، فحضر إلى مسجد الحنابلة ، وأشار إلي بأنه يريد الدخول إلى الحمام ، فأدخلته إليه ، فلما خرج دفع إلى الحمامي جملة كثيرة من الدراهم ، وجمع بيننا وبين الأمير سيف الدين قلاوون رحمهالله في تلك الدفعة ، فحصلت المعرفة به من ذلك التاريخ ، ثم توجه إلى صفد وباشر الحصار بنفسه ، وكان في غزوات الكفار يبذل جهده ويتعرض للشهادة ، فجرح عليها وبقي مدة وألم الجراحة يتزايد ، وحمل إلى دمشق فتمرض بها إلى أن درج إلى رحمة الله تعالى ، وختم أعماله الصالحة بالشهادة ، وتوفاه إلى رضوانه ليلة عرفه ، ودفن في مقبرة رباط الملك الناصر صلاح الدين يوسف رحمهالله ، بسفح قاسيون ، وكان في محبة الصلحاء والفقراء ، والاعتقاد فيهم والبر بهم والتواضع لديهم أوحد عصره ، رحمهالله.
جدك بن عبد الله أبو الجود الرومي الفائزي ، كان أميرا جليلا فاضلا ،