وفيها توفي :
أيدغدي بن عبد الله الأمير جمال الدين العزيزي ، سمع وحدث وكان أميرا كبيرا ، عظيم القدر مشهورا بالشجاعة والكرم ، والديانة والحشمة ، وسعة الصدر وكبر النفس ، وعلو الهمة ، كثير الصدقات والبر والمعروف للفقراء والمشايخ أصحاب الزوايا ، وأرباب البيوتات عليه من الرواتب في كل سنة ما يزيد على مائة ألف درهم ، وألوف كثيرة أرادب قمح ، هذا غير ما يتصدق به ويطلقه في وسط السنة مما هو في غير حكم الراتب المستقر ، وكان مقتصدا في ملبسه لا يتعدى لبس ثياب القطن من القماش الهندي ، والبعلبكي ، وغيره مما يباح ولا يكره لبسه ، وحكى لي بعض الناصرية قال : لما دخلنا الديار المصرية اتفق أن بعض الأمراء الأكابر عمل سماعا ، وحضر بنفسه إلى الأمير جمال الدين رحمهالله ودعاه ، فوعده بالمضي إليه ، والحضور عنده ، فلما كان العشاء الآخرة مشى ونحن معه جماعة من خواصه ومماليكه إلى دار ذلك الأمير ، فلما دخل وجد في الدار جماعة من الأمراء جلوسا في إيوان الدار ، وجماعة من الفقراء جلوسا في وسط الدار ، فوقف ولم يدخل وقال لصاحب الدار وللأمراء : أخطأتم فيما فعلتم ، كان ينبغي أن يقعد الفقراء فوق وأنتم في أرض الدار ، ولم يجلس حتى تحول الفقراء إلى مكان الأمراء والأمراء إلى مكان الفقراء ، وقعد هو ونحن بين الأمراء ، فلما غنى المغاني قام أحدهم والدف بيده ودار على الجماعة لينقطوه وهذه كانت عادة المغاني في سماعات الديار المصرية ، فلما رآه الأمير جمال الدين انتهره ، وقال : ولا أنت في الخلق ، وأشار إلى خازنداره ، فوضع في الدف كيسا فيه ألف درهم ، فلما رقص الجمع بينهم ورمى على المغنى بغلطاقه وهو أبيض قطن بعلبكي ، ما يساوي عشرين درهما ، فرمى سائر مماليكه بغالطيقهم موافقة لهم ، وقيمتها فوق ثلاثة آلاف درهم ، ثم دار في النوبة الثانية ، ورمى على المغني منديله ،