قدا ، فصبر أولياء الله على ما عاهدوا الله عليه ، وقدموا نفوسهم قبل أقدامهم رغبة إليه ، ورأوا الجنة تحت ظلال السيوف فلم يروا دونها مقيلا ، وتحققوا ما أعده الله لأهل الشهادة ، فاستحلوا وجه الموت على جهامته جميلا ، فعند ذلك خاب ظن أعداء الله ، وسقط في أيديهم ، وصار رجاء السلامة برؤوسهم أقصى تمنيهم ، فعدلوا عن القتال إلى السؤال ، وجنحوا إلى السلم ، وطلب النزول بعد النزال ، وتداعوا بالأمان صارخين ، وجاؤوا بدعاء التضرع لاجين ، فأغمد الصفح عنهم بيض الصفاح ، وقاتلوا من التوسل بأحد سلاح ، واستدعوا راياتنا المنصورة ، فشربوا بها الشرفات ونزلوا على حكمنا فأقالت القدرة لهم العثرات ، وتسلم الحصن المبارك وقت صلاة الجمعة ثامن عشر شوال ، وتحكم نوابنا على ما بها من الذخائر والأموال ، ونودي في أرجائها بالواحد الأحد ، واستديل للجمعة يوم الجمعة من يوم الأحد ، ونحن نحمد الله على هذا الفتح الذي أعاد وجه الاسلام جميلا ، وأنام عين الدين في ظل من الأمن مده ظليلا ، وألان من جانب هذا الثغر ما لا ظن أن سيلين ، وذلل من صعبه ما شرح به صدر الملك والدين ، فإنه حصن مر عليه دهر لم يدر فتحه بالأوهام ، ولا تطاولت إليه يد الخطب ، ولا همة الأيام ، وربما كانت تجد منفسا فتدعو الملوك إلى نفسها فيتصامموا ، وتخطبهم وممرها أدنى حرب ، فيرغبوا في العزلة والمسالمة فيسالموا ، ألهاهم عن فخر فتحها الرغبة في رفاهية عيشه ظنوها راضية ، ووقف بهم دون السعي فيه همة لنزول الدنايا متغاضية ، وجنح بهم مراد السلم وإرادة السلم ، كانت عليهم القاضية ، والمجلس أيده الله يأخذ حظه من هذه البشرى ، ويقر بها عينا ، ويشرح بها صدرا ، ويحلي وجوه بشائرها من هذه المكاتبة على عيون الناس من كل حاضر وباد ، ويستنطق بها ألسن المحدثين ، في كل محفل وناد ، والله يحرس المجلس ، ويسهل بهمته كل مراد ، إن شاء الله تعالى في التاريخ المذكور من وقت الفتح.