فيظن في أعطافهم كسل ، وهزوا قاماتهم مع الذوابل فجهلت الحرب من منهم الأسل ، فحين شاهد أعداء الله آساد الله تصول من رماحها بأساودها ، وتبدي ظمأ لا ينفعه إلا أن ترد من دماء الاعداء محمر مواردها ، وأنها أقبلت نحوهم بجحافل تضيق رحب الفضاء ، وتحقق بنزولها ونزالها كيف نزول القضاء ، وإنه جيش بعثه الله بإعزاز الجمعة وإذلال الأحد ، وعقد برايته مذ عقدها إن لا قبل بها لأحد ، وإن الفرار ملازم أعدائه ، ولا قرار على زائر الأسد ، ولوا مدبرين ، وأدبروا على أعقابهم ناكصين ، ولجأوا إلى معقلهم معتقلين لا معتقلين ، فعند ذلك زحفنا إليه من كل جانب حتى صرنا كالنطاق بخصره ، ودرنا به حتى عدنا كاللثام بثغره ، وأمطرنا عليه من السهام وابلا سحبت ذيول سحبه المتراكمة ، وأجرينا حولها من الحديد بحرا غرقة أمواجه المتلاطمة ، وضايقناها حتى لو قصد وفد النسيم وصولا إليه لما تخلص ، أو رام ظل الشمس أن يعود عليه فيئا لعجز لأخذنا عليه أن يتقلص ، ثم وكلنا به من المجانيق كل عالي الغوارب عاري المناكب ، عبل الشوى ، سامي الذرى ، له وثبات تحمل إلى الحصون البوائق ، وثبات تزول دونه ولا يزول الشواهق ، ترفع لمرورها الستائر فتدخل أحجاره بغير استيذان ، وترضخ لنزوله رؤوس الحصون فتخر خاضعة للأذقان ، فلم يزل يصدع بثبات أركانه حتى هدمها ، وتقبل ثنيات ثغره حتى أبدى ثرمها ، وفي ضمن ذلك لصق الحجارون بجداره ، وتعلقوا بأذيال أسواره ، ففتحوها أسرابا ، وأججوها جحيما يستعر جمرها إلتهابا ، فصلي أهل النار بنارين من الحريق والقتال ، ومنوا بعذابين من حر الضرام ، وحد النصال ، هذه تستعر عليهم وقودا ، وهذه تجعل هامهم للسيف غمودا.
فعند ذلك جاءهم الموت من فوقهم ومن أسفل منهم ، وأصبح ثغرهم ظنوه عاصما لا يغني عنهم ، ومع ذلك فقاتلوا قتال مستقتل لا يرى من الموت بدا ، وثبتوا متحابين يقدون ببيضهم البيض والأبدان