وخلف بنتا صغيرة احتيط على ما في داره ، فوجدت الورقة في أوراقه ، فحملها نواب الأيتام إلى القاضي بدر الدين ، فكان يوقف عليها بعض من يدخل إليه من الأعيان.
وبالجملة فلم يزل في المناصب ، فإنه ولي سنجار ، وتلك النواحي ، ثم ولى بعلبك وأعمالها ، ثم عاد إلى سنجار ، ثم قدم الديار المصرية فولى مصر والوجه القبلي مرة والقاهرة والوجه البحري تارة ، وجمع له الاقليم بكماله ، وولى تدريس المدرسة الصالحية النجمية التي بين القصرين للطائفة الشافعية مدة ، وباشر وزارة الديار المصرية مدة ، وكان في حال تولية الحكم يشارك في الأمور المتعلقة بالدولة ، ويشاور فيها ويرجع في معظمها إلى رأيه ، ولم يزل ينتقل في المناصب الجليلة ، والولايات الخطيرة إلى اوائل الدولة الظاهرية ، صرف عن ذلك ، فلزم منزله والناس يترددون إلى خدمته والأعيان يعترفون بتقدمه ، ورئاسته وحرمته وافرة عند أرباب الدولة ، ومحله عظيم عند الخاص والعام ، ومكارمه مشهورة عند سائر الأنام ، وكان كثير الإحسان وافر العطاء ، جميل الصفح عن الزلات وإقالة العثرات ، ورعاية الحقوق ، والمودات ، مقصدا لمن يرد إليه من الفقهاء والفضلاء وذوي البيوتات ، وحج سنة اثنتين وخمسين سافر على البحر وصام بمكة شهر رمضان ، وأقام إلى الموسم ، وعاد في اوائل سنة ثلاث وخمسين ، وكان بينه وبين والدي رحمهالله مودة أكيدة ، فكان من يتوجه إلى الديار المصرية يتوسل إليه بكتب والدي ، فيبالغ في إكرامه والإحسان إليه ، وكانت وفاته في رابع عشر شهر رجب بالقاهرة ودفن بتربته بالقرافة رحمهالله ...
السنة الرابعة والستون وستمائة
دخلت هذه السنة ، والخليفة وملوك الطوائف على الصورة المستقرة ، خلا صاحب مراكش الملقب بالمرتضى ، فإنه قتل ، وولى بعده أبو العلاء ادريس الملقب بالواثق ، والملك الظاهر بقلعة الجبل.