ولا زالت التهاني إليه واردة ، والمسرات عليه وافدة ، ونعم الله وبركاته لديه متزايدة وهذه المكاتبة تبشر بنصر من الله وفتح قريب ، وهناء يأخذ له المجلس منه أوفر نصيب ، وتوضح لعلمه الكريم أنه لما كان يوم الاثنين التاسع من شهر رجب المبارك قدمنا خيرة الله تعالى ، زحفنا على مدينة أرسوف بعساكرنا المنصورة ، وأدرنا بها الأطلاب للزحف ، وكانت مرتبة على أحسن صورة ، وتناولناها مناولة القادم إذا ضم ضمة المشتاق ، واستولينا على جميع أهلها ، فأضحى كل منهم من القيد في وثاق ، وأضرمنا بها النيران ، فعجل الله لهم بها في الدنيا قبل الآخرة الإحراق ، وجرعناهم غصص الموت فتجرعوها مرة المذاق ، وكانت مدة القتال ثلاثة أيام آخرها يوم الخميس ثاني عشر رجب المبارك ، فلم يفلت منهم أحد ، وعاجلناهم في هذه المدة القريبة فلم يغنهم ما فعلوه في تحصن البلد ، ولم يمس أحد منهم في ليلة الجمعة ، وقد نجا من القتل إلا وهو أسير ، واحتطنا بها فما نجا منهم بحمد الله صغير ولا كبير ، وعجلنا للمجلس بهذه البشارة ليأخذ منها حظا وافرا ، ويقرأ آيات نصر الله على أصحابه من الفقهاء ، والعدول ، ويحدث بها ، فيكون تاليا لها بين الأنام وذاكرا ، ويكتب بمضمون ذلك إلى نوابه من الحكام ، وليشهر هذا الخبر السعيد بين الأنام ، ويواصلنا بدعائه فإننا نرجو به الزيادة ، والله تعالى يجزينا ويجزيه من ألطافه على أجمل عادة ، بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى : كتب ثاني عشر شهر رجب المبارك ، وبين الأسطر وعدة الأسرى ألف أسير وأما القتلى فكثير لأن القلعة أخذت بالسيف.
وعاد الملك الظاهر إلى القاهرة وزينت لدخوله فدخلها في ثاني عشر شعبان من باب النصر ، وخرج من باب زويلة ، وعبر بالأسرى على الجمال وكان يوما مشهودا.
وفي جمادي الآخرة وقعت نار بحارة الباطلية بالقاهرة ، فأحرقت ثلاثة وستين دارا جامعة ، ثم كثر الحريق بعد ذلك بمصر حتى أحرق ربع