فرج ، وكان وقفا على أشراف المدينة النبوية صلوات الله على ساكنها وسلامه بحيث لم يبق فيه مسكن ، والوجه المطل على النيل من ريع العادل ، وكان وقفا على تربة الإمام الشافعي رحمة الله عليه ، وكانت توجد لفائف مشاق فيها النار والكبريت على أسطحة الآدر ، وعظم هذا الأمر على المسلمين ، ورتب بالشوارع والأزقة دنان الماء ، واتهم بذلك النصارى الكركيين والملكيين ، فلما قدم الملك الظاهر الديار المصرية عزم على استئصال النصارى ، واليهود بسبب الحريق ، فأمر بوضع الأحطاب والحلفاء في حفرة كانت في وسط القلعة ، وأن تضرم فيها النار ، ويطرح فيها النصارى واليهود ، فجمعوا على اختلاف طبقاتهم حتى لم يبق إلا من هرب ، وذلك يوم الأربعاء ثامن عشر شعبان وكتفوا ليرموا في الحفرة فشفع فيهم الأمراء ، فأمر أن يشتروا أنفسهم فقرر عليهم خمسمائة ألف دينار ، يقومون منها في كل سنة بخمسين ألف دينار يؤخذ منهم بحسب قدرة كل واحد منهم ، وضمنهم راهب يعرف بالحبيس ، كان مبدأ أمره كاتبا في صناعة الإنشاء ، ثم ترهب وانقطع في جبل حلوان ، فيقال أنه وجد في مغارة منه مالا للحاكم أحد الخلفاء المصريين ، ولما وجد المال واسى به الفقراء والصعاليك من كل ملة ، واتصل خبره بالملك الظاهر فطلبه إليه وطلب منه المال فقال : أما أني أعطيك من يدي إلى يدك فلا ، ولكنه يصل إليك من جهة من تصادره ، وهو لا يقدر على ما تطلبه منه فلا تعجل ، وشفع فيه فلما كانت هذه الواقعة ضمنهم وحضر موضع الجباية منهم ، فمن قرر عليه شيء وعجز من أدائه ساعده ، ومن لم يكن معه شيء أدى عنه سواء كان نصرانيا أو يهوديا ، وكان يدخل الحبوس ويطلق منها من عليه دين ومن وجده ذا هيئة رثة واساه ، ومن شكا إليه ضرورة أزاحها عنه فانتفعت به سائر الطوائف ، ولما طلب من أهل الصعيد المقرر على الذمة الذين بها سافر إليهم وأدى عنهم ، وكذلك سافر إلى الاسكندرية وغيرها.