وكان له في الفقراء والصالحين عقيدة حسنة ، ويكثر من الاحسان إليهم والبر بهم ، وافتقادهم بالنفقة ، والكسوة وغير ذلك ، وكان يعمل لهم السماعات ، ويحضر فيها من المآكل والمشارب والأراييح الطيبة والشموع ما يبهر العقل ، ويتجاوز الحد فكان يقدر ما غرمه على السماع الواحد تقريب ثمانية الآف درهم ، وكنت أسمع باحتفاله في أمر السماع ، وعلو همته ، فأحمل الأمر على المجازفة في القول من الحاكي ، فاتفق أنه طلبني ليلة لحضور ذلك فحضرت عنده ، فكان الأمر على ما بلغني وأكثر فانني لما دخلت داره التي بالعقيبة ، رأيت من الشموع الكافوري الكبار في الأتوار الفضة ، والمطعمة ما يقصر عنه الوصف ، ثم مد بعد صلاة المغرب سماطا عظيما يشتمل على قريب مائة زبدية عادلية كبار ، في كل زبدية منها خروف صحيح رضعي ، وقريب ثلاثمائة زبدية دون تلك في كل زبدية ثلاثة طيور دجاج ، وغير ذلك من أنواع الأطعمة ، فلما فرغ الناس من الأكل صلوا العشاء الآخرة وشرع المغاني في الغناء ، ورقص هو بنفسه بين الفقراء كأحدهم ، وكان يسلك من الأدب معهم والتواضع لهم ما لا يزيد عليه.
فلما فرغ المغاني من النوبة الأولى مد سماطا عظيما يشتمل على عدة أطباق وصحون خزافية حلوى سكب ، وقطائف رطبة ، ومقلوة ومشبك وغير ذلك مما جميعه بالسكر المكرر المصري ، والفستق ، والمسك ، فأكل الناس من ذلك ما أمكنهم ، وحملوا بحيث شيل معظم ذلك في خرق الحاضرين ، فلما فرغوا من ذلك شرع المغاني في الغناء من النوبة الثانية ، فرقص هو وغلمانه ، ومن حضر من الفقراء والمشايخ وغيرهم ، فلما فرغ المغاني من النوبة الثانية مد سماطا عظيما من الفواكه النادرة ، من : السفرجل ، والتفاح الفتحى ، والكمثرى الرحبي ، والرمان اللفان ، والحلو والعنب النادر ، والبطيخ الأخضر ، وكانت هذه الفاكهة التي حضرت معدومة في مثل ذلك الوقت ، يتعذر وجودها على غيره ، لأن ذلك كان