الكرك ممن تثق به غاية الوثوق ، وتؤكد عليه في كتمان ذلك وطيه عن جميع الناس ، وادفع إليه ألف دينار ، فأحضر الأمير عز الدين المذكور لأستاذداره ، وكان رجلا دينا فيه خير ، وعنده تقوى ، وقال له : أريد أن اندبك في أمر مهم تفعله وتكتمه عن جميع الناس ، ولا تطلع عليه أحد من خلق الله فقال السمع والطاعة ، قال : هذه ألف دينار مصرية تأخذها لك ، وتدخل إلى الملك المغيث صاحب الكرك تقتله فقال : والله لو أعطيتني ملء هذه الديار دنانير ما فعلت هذا ، ولو ضربت رقبتي ، بل يأمرني الأمير بغير هذا ، ويبصر ما أفعل ، فانتهره وحاوله بكل طريق فلم يجبه إلى ذلك ، فأعرض عنه ، وطلب شخصا آخر من أصحابه فيه شر وعنده شهامة ، وإقدام ، وقال له ذلك فبادر إليه ، ودخل على الملك المغيث فقتله خنقا ، وأخذ الألف دينار ، وشرع يشرب في دار له على بركة الفيل ، ويخرج من الذهب فقال له ندماؤه في حال سكره : من أين لك هذا الذهب؟ فأخبرهم أنه قتل صاحب الكرك ، وأعطي ألف دينار ، فشاع ذلك ، واتصل بالملك الظاهر ، وكان حريصا على كتمانه ويظهر للأمراء أن المغيث في قيد الحياة موسعا عليه ، فعظم ذلك على الملك الظاهر ، وأنكر على الامير عز الدين الحلي ، وطلب الشخص القاتل منه فأحضره إليه فأمر باستعادة الألف دينار منه ، وقتله.
وكان قتل الملك المغيث في أوائل هذه السنة ، وقيل في أواخر سنة إحدى وستين رحمهالله.
لاجين بن عبد الله الأمير حسام الدين الجوكندار العزيزي ، كان من أكبر الأمراء ، وأعظمهم مكانة في وقته وأعلاهم قدرا ، وأوسعهم صدرا وأكثرهم تجملا ، وكان شجاعا بطلا جوادا ، حازما وله في الحروب المواقف المشهورة ، واليد البيضاء ، والآثار الجميلة خصوصا في وقعة التتر ظاهر حمص في أول سنة تسع وخمسين ، فإنه فاز بأجرها وشكرها ، وقد أشرنا إلى شيء من أحواله فيما تقدم من هذا الكتاب.