في أواخر فصل الشتاء ، وإنما كان يدخر له ذلك بالقصد ، فإن قرية كفر بطنا ، وزبدين وعدة قرى من الغوطة كانت جارية في إقطاعه ، وبها الفواكه النادرة ، فأكل الناس من ذلك ما أمكنهم ، ثم غنى المغاني النوبة الثالثة ، ورقص الجميع ، فلما فرغوا مد لهم سماطا من المكسرات على اختلاف أنواعها من : القصب العراقي ، والفستق ، والبندق ، والزبيب الجوزاني ، والفستق المملح ، والخشكنان ، والكعك المحشو ، والبقسماط المعمول بالسكر والسمن ، وغير ذلك ، فأكل الناس من ذلك وحملوا وجميع ما يمد على كثرته لا يرفع منه بقية البته ، بل يؤكل منه ما يمكن ، ويتفارق الحاضرون ما بقي ، وينهب ، وجميع ما شرب في تلك الليلة من أولها إلى آخرها من الماء المصنوع بالثلج والسكر ، وماء الخلاف ، والورد والمسك ، والسقاة يملأون الكيزان من ذلك على الدوام ، ويسقون الناس والمباخر تعمل بالند ، والعنبر ، والعود الهندي النادر المعلى من أول الليل إلى آخره.
فلما كان وقت السحر اغلى حمام ابن السرهنك المجاورة لداره ، ودخل إليه ومعه معظم الجمع ولم أدخل أنا.
فحكى الشيخ عبد الرحمن ابن الشيخ محمد اليونيني رحمهالله وكان حاضرا قال : بعد خروجك دخلنا الحمام ، فجعل الأمير يخدم الفقراء بنفسه وغلمانه ، فلما خرجوا كان منهم جماعة خلعوا قمصانهم ودلوقهم ، فأحضر لهم قمصا جددا وثيابا جددا في نهاية الحسن ، والمناسبة لما يليق بهم ، ثم خرج واستدعاهم إلى داره وسقاهم من الأشربة ما يناسب الحمام ، ويلائمه ومد لهم سماطا عظيما من الططماج وأحضر لهم حلوى سخنة ، فأكلوا وانصرفوا ، وأما هو فإنه خلع على المغاني من ملبوسه عدة بغالطيق (١) تساوي جملة كبيرة ، وكذلك غلمانه ، وكان هذا السماع في آخر سنة تسع وخمسين ، والغرارة القمح بدمشق فوق ثلثمائة درهم
__________________
(١) جمع بغلطاق : فرجية قصيرة.