ولما استقر الفرنج بمنزلتهم كانت الميرة تأتيهم من دمياط في النيل ، فعمد المسلمون إلى مراكب شحنوها بالمقاتلة ، وكانوا قد حملوها على الجمال إلى بحر المحلة ، وألقوها فيه ، وفيه ماء من أيام زيادة النيل واقف ، لكنه متصل بالنيل ، فلما حاذت مراكب الفرنج وهي مقلعة من دمياط بحر المحلة وفيه المراكب المكمنة بالمسلمين ، خرجت عليها المراكب من بحر المحلة ، ووقع القتال بين الفريقين ، وجاءت أساطيل المسلمين منحدرة من جهة المنصورة ، والتقى الاسطول والمراكب المكمنة وأحاطوا بهم وقبضوهم أخذا باليد ، وكانت عدة المراكب المأخوذة من الفرنج اثنين وخمسين مركبا ، وقتل وأسر ممن فيها نحو ألف رجل ، وأخذ ما فيها من الميرة ، ثم حملت الأسرى على الجمال ، وقدم بهم العسكر ، وانقطعت الميرة بسبب ذلك عن الفرنج ، ووهنوا وهنا عظيما ، هذا وحجارة مجانيقهم تقع إلى جهة أساطيل المسلمين ، وكان يوما مشهودا أعز الله فيه الإسلام وأوهى قوى أهل الشرك ، واشتد من يومئذ عندهم الغلاء ، وعدمت الأقوات وبقوا محصورين لا يستطيعون المقام ، ولا الذهاب ، وطمع فيهم المسلمون.
وفي مستهل شهر ذي الحجة أخذ الفرنج من مراكب المسلمين التي في بحر الحلة سبع حراريق ، وهرب من بها من المسلمين.
وفي يوم عرفة تاسع ذي الحجة خرجت شواني المسلمين على مراكب وصلت للفرنج تحمل الميرة ، فالتقوا عند مسجد النصر ، فأخذت شواني المسلمين من مراكب الفرنج اثنين وثلاثين مركبا ، منها تسع شواني فازداد عند ذلك ضعف الفرنج ووهنهم ، وقوي الغلاء عندهم ، وشرعوا في مراسلة المسلمين ، وطلب الهدنة وأن يسلموا ثغر دمياط على أن يأخذوا عوضه بيت المقدس ، وبعض الساحل ، فلم تقع الإجابة إلى ذلك.
وفي يوم الجمعة لثلاث بقين من ذي الحجة أحرقت الفرنج أخشابهم كلها وأفنوا مراكبهم ، وعزموا على الهرب إلى دمياط ، ودخلت سنة ثمان