كثير ، ما لنا به حاجة ، وما معنا خيل ، ونحن محتاجون إلى الخيل ، فمن أحضر إلينا فرسا حكمناه في الثمن كما رأيت ، فخرج ذلك الرجل من عندهم ، وأشهر هذا الأمر بين العربان والتركمان ، وغيرهم ، فجلب إليهم من الخيول بهذه الطريق فوق حاجتهم ، واشتروها بما اختاروا من الثمن فإن الخروج من عسكرهم بفرس خطر جدا والدخول أسهل فما يبقى بعد الدخول بالفرس إلى عسكرهم إلا بيعه ولو بأقل الأثمان ، ولما كان بكرة الثلاثاء خامس ذي القعدة ركب الفرنج ونزلوا بخيولهم في مخاضة سلمون ببحر أشمون ، دلهم عليها بعض المفسدين ، وكبسوا عسكر المسلمين ، فلم يشعر بهم المسلمون إلا وقد خلطوهم ، وكان الأمير فخر الدين في الحمام ، فأتاه الصريخ فركب دهشا غير معتد ولا متحفظ ، فصادفه جماعة من الفرنج فاستشهد إلى رحمة الله تعالى ، ودخل ريد افرنس المنصورة ، ووصل إلى قصر السلطان الذي على البحر ، وتفرقت الفرنج في أزقة المنصورة ، وهرب كل من فيها من الجند والعامة والسوق يمينا وشمالا ، وكادت شأفة الإسلام تستأصل ، وأيقن الفرنج بالظفر ، واشتد الأمر وأعضل الخطب ، فانتدب لهم جماعة من فرسان المسلمين وأولي البصائر ، وحملوا عليهم حملة رجل واحد فزعزعوا أركانهم ، وأخذتهم السيوف ، فقتل منهم خلق كثير قريب ألفي وخمس مائة من فرسانهم ، وصناديدهم ، وشجعانهم ، ولو لا ضيق مجال القتال لاستؤصلوا ، ومضى من سلم إلى مكان يقال له جديلة ، واجتمعوا به ، ودخل الليل فضربوا عليهم سورا وخندقا ، وأقامت طائفة بالبر الشرقي ، وكانت هذه الواقعة مقدمة النصر ، وورد المنهزمون من المسلمين آخر النهار من ذلك اليوم إلى القاهرة ، ولا علم لهم بما تجدد من النصر وأخبروا بما شاهدوا من هجوم الفرنج المنصورة ، فانزعج الناس ، فلما طلعت الشمس من يوم الأربعاء وردت البشرى بالنصر ، وزين البلدان وعظم السرور.