هؤلاء ملوك الفرنج ، وفرسانهم وشجعانهم يسلمون أنفسهم إليك الا بعد أن يقتل كل واحد منهم واحدا من عسكرك أو كل اثنين واحد ، أو كل ثلاثة واحدا ، أو كل أربعة واحدا ، أو كل خمسة واحدا ، فإذا قتلوا من عساكرك بمقدار خمسهم من يبقى معك؟ فعلم الملك الكامل أن الصواب معه ، مع ما كان يراه من المسالمة ، وعدم المغافصة والمخاطرة ، فأجابهم إلى الصلح ، ووصل الملك الأشرف ، والملك المعظم في ذلك الوقت جرائد ليسلموا دمياط ، ويحضر عنده ملوكهم ، ونصوا على الملك الأشرف في الرهينة ، فقال الملك الكامل : الملك الأشرف أكبر مني قدرا وأكثر بلادا وقلاعا وعساكر ، وقد ترك مملكته وجاء بنفسه لنصرتي ، كيف يسعني أن أخاطبه في مثل ذلك ، ولكن أنا أسير لكم ولدي وابن أختي ، فسير لهم الملك الصالح نجم الدين ، وابن اخته شمس الملوك ، وجاء سائر ملوكهم إلى الملك الكامل فالتقاهم وأنعم عليهم ، وضرب لهم الخيام ، وجلس لهم مجلسا عظيما في خيمة عالية ، ودهليز هائل ، وأعد سماطا عظيما ، وأحضر ملوك الفرنج وكنودهم وأعيانهم ، ووقف الملك الأشرف والملك المعظم في خدمته ، وقام شرف الدين راجح الحلي الشاعر فأنشد قصيدة امتدحه بها من جملتها :
هنيئا فإن السعد راح مخلدا |
|
وقد أنجز الرحمن بالنصر موعدا |
حبانا إله الخلق فتحا بدا لنا |
|
مبينا وإنعاما وعزا مؤبدا |
تهلل وجه الدهر بعد قطوبه |
|
وأصبح وجه الشرك بالظلم أسودا |
ولما طغا البحر الخضم بأهله ال |
|
طغاة وأضحى بالمراكب مزبدا |
أقام هذا لهذا الدين من سل عزمه |
|
صقيلا كما سل الحسام مجردا |
فلم ينج إلا كل شلو مجدل |
|
ثوى منهم أمن تراه مقيدا |
ونادى لسان الكون في الارض رافعا |
|
عقيرته في الخافقين ومنشدا |
أعباد عيسى إن عسى وحزبه |
|
وموسى جميعا يخدمون محمدا |
من أبيات ،