مكنني منها ، والقدس له أيضا ولكني استطلقه منه ، فانفصلوا على غير شيء ، وقد حصل مقصود الفرنج من رؤية البلاد وكشفها بهذه الحيلة.
وقال الشيخ شمس الدين أبو المظفر : لما أخذت دمياط كان الملك المعظم عند الملك الكامل ، فبكيا بكاء شديدا ، وتأخرت العساكر عن تلك المنزلة ثم قال الكامل للمعظم : قد فات ما ذبح ، وجرى المقدور بما هو كائن ، ما في مقامك هاهنا فائدة ، والمصلحة أن تنزل إلى الشام تشغل خواطر الفرنج ، وتستجلب العساكر من الشرق ، فعاد إلى الشام ، ونازل قيسارية ، وفتحها عنوة ، وفتح غيرها من حصون الفرنج ، وهدمه وعاد إلى دمشق بعد أن أخرب بلاد الفرنج ، وكان الملك الكامل كثير الحزم والتثبت والتأني لا يرى المخاطرة والمغافصة ما لم يكن على ثقة من قوته ، ويغلب على ظنه الظفر غلبة تقرب من اليقين ، فسير إلى إخوته : الملك الأشرف ، والملك المعظم يستنجد بهم فجاؤوه بالعساكر ، فلما بلغ الفرنج ذلك ضعفت أنفسهم ، وقالوا : نحن جئنا نقاتل الملك الكامل وفينا له ولعسكره أما إذا اجتمع هو وإخوته ، فلا واتفق أن الفرنج أرادوا مناجزته قبل وصول النجد ، فخرجوا بفارسهم وراجلهم وأرسوا إلى بعض الترع ، وكان النيل زائدا جدا ، ففتح المسلمون عليهم الترع من كل مكان ، واحدقت بهم عساكر الملك الكامل ، وهم في الوحل لا يقدرون على السلوك ، ولم يبق لهم وصول إلى دمياط ، وجاء اسطول المسلمين فأخذوا مراكبهم ، ومنعهم من أن تصل إليهم ميرة من دمياط ، وكانوا خلقا عظيما ، وانقطعت اخبارهم عن دمياط ، وكان فيهم مائة كند وثماني مائة من الخيالة المعروفين ، وملك عكا ، ونائب البابا وجماعة من الملوك ، ومن التركبلية ، والرجالة ملا يحصى ، فلما عاينوا الهلاك أرسلوا إلى الملك الكامل يطلبون منه الصلح والرهائن ، ويسلمون دمياط فقال الملك الكامل للرسول : ما أفعل أصالحهم ، وهم في قبضتي وآخذهم برقابهم ، فقال له الرسول وكان من ملوكهم : ما كأنك تدري ما تقول