عشر شهر رجب سنة ثماني عشرة وستمائة ، ومدة نزولهم على دمياط وتملكهم لها وإلى أن انفصلوا عنها ثلاث سنين ، وثلاثة أشهر وسبعة عشر يوما.
ومن الاتفاق العجيب نزولهم عليها يوم الثلاثاء وإحاطتهم بها يوم الثلاثاء ، وملكهم لها يوم الثلاثاء ، وقد جاء في الآثار : «إن الله تعالى خلق المكروه يوم الثلاثاء» ، ولما ملك الفرنج دمياط قالوا : هذه البلاد ليس لنا بها خبرة ، ولا نعرف طرقها ومسالكها لا في البر ، ولا في البحر يعنون النيل ، وما ينبغي لنا أن نغرر بأنفسنا ، ونخرج إلا على بصيرة ، فاتفق رأيهم على أن جهزوا بعض ملوكهم الأكابر رسولا ، وكان خبيرا بالحروب فطنا مجربا ، وسيروا جميع من معه من الخدم والحاشية ، والغلمان وغيرهم خيالة من أعيان فرسانهم ، وأولي البصائر منهم ، وقد غيروا زي الجميع وكان مقصودهم أن يكشفوا البلاد ، ويسلكوها ويخبروا طرقها ، ليبقى لهم بذلك أنسه ، فجاء الرسول إلى الملك الكامل وقال له : الملوك والمقدمون يسلموا عليك ، وقالوا : مقصودهم القدس ، وإنما قصدوا هذه البلاد ليأخذوها ، ويتوصلوا بها إلى القدس ، فأنت تسلم إليهم القدس ، وتأخذ دمياط فأجابهم إلى ذلك ، وعادوا بالجواب بعد أن أقاموا عنده أياما ، وليس قصدهم إلا كشف البلاد لا غير ، ثم جاء رسول آخر بالشرح في تقرير هذه القواعد ، واشتراطات تقتضي المراجعة ، وتكرر ترداد الرسل ، ولم يزالوا على هذا المنوال ، وكل رسول يحضر لا يعود بنفسه ولا أحد ممن معه إلى أن لم يبق من أعيانهم من لا حضر ، ورأى البلاد ، وخبرها حسبما أمكن ، فلما بلغوا مقصودهم من ذلك حضر رسول يطلب تسلم ما تقرر ، فقال الملك الكامل : سيروا نوابكم يتسلموا القدس وسلموا لنا دمياط ، فقال الرسول : والكرك ، قال الملك الكامل والله هذا ما سمعته إلى الآن ، وبعد فالكرك ليست لي ولا بحكمي ، الكرك لأخي الملك المعظم ، ولو رمت أن أراها بعيني ما