وهو كثير المال وكان يكثر التردد إلى الشيخ عز الدين ، وهو صاحبه فحكى للشيخ عز الدين عقيب كسرة المنصورة الأخيرة ، وكان قد صودر قبل ذلك على قريب خمسين ألف درهم ، قال : صودرت على ذلك المبلغ ، فما مضى إلا مدة يسيرة حتى كانت وقعة المنصورة ، فحصلت من مكاسبها قريب خمسين ألف دينار ، فقال له الشيخ عز الدين : هذا المبلغ في ذمتك لأن الغنائم لم تخمس ولا قسمت على الوجه الشرعي ، فلما مرض الشيخ عز الدين مرض الموت أشهد على نفسه أنه يشهد على إقرار المبارز بما أقربه من ذلك ، واتصل الأمر بالملك الظاهر ، فألزم المبارز بغرم ما أقر به ، فقال إنما شهد علي شاهد واحد ، فقال الملك الظاهر : الشاهد الذي شهد أكثر من ألف شاهد ، وكان الشيخ عز الدين رحمهالله مع ما هو عليه من هذه الأوصاف عنده رقة حاشية ، ويحضر السماع ويرقص ويتواجد ويستحسن الصور الجميلة ويحاضر بالحكايات والنوادر والأشعار ، ويستشهد بها في مواضعها ، مر على دار من دور القصر بالقاهرة ، وهي خراب وأنقاضها تنقل فأنشد متمثلا :
أهادمها شلت يمينك خلها |
|
لمعتبر أو واقف أو مسائل |
منازل قوم حدثتنا حديثهم |
|
ولم أر أحلى من حديث المنازل |
وهذا البيان لعبد الواحد بن الفرج المعري الشاعر ، قالهما من جملة أربعة أبيات في قصر كان بالمعرة في محلة سياث ، فأمر صاحب المعرة بنقضه ، فاجتاز عبد الواحد بالفعلة ، وهم يخربونه فقال بديها :
مررت بقصر في سياث فساءني |
|
به زجل الأحجار تحت المعاول |
تناولها عبل الذراع كأنما |
|
جرى الحرب فيما بينهم حرب وائل |
فقلت له شلت يمينك خلها |
|
............ |
البيتين المتقدمين.