ماء فامتثل المرسوم ، وكان ينزل له رغيفان كبيران ، ولم يزل على ذلك إلى أن أفرج عنه ، وفي سنة ثلاث وأربعين فوض إليه الملك الصالح نجم الدين النيابة بدمشق ، فمضى إليها ، وأقام بها ، وفي سنة أربع وأربعين توجه إلى بعلبك بمن معه من العسكر ، ونازل قلعتها وضايقها ، وكان بها الملك المنصور شهاب الدين محمود بن الملك الصالح عماد الدين إسماعيل وإخوته ، فاشتد عليهم الحصار فسلموها إلى الأمير حسام الدين بالأمان ، فرتب أمورها ، وسار إلى دمشق وأولاد الملك الصالح عماد الدين معه ، فاعتقلهم بدمشق ثم بعث بهم إلى ابن عمهم الملك الصالح نجم الدين ، قال الأمير حسام الدين : لما كنت في الجب بقلعة بعلبك لا فرق بين الليل والنهار حدثتني نفسي يوما وأنا في تلك الحال التي تشعر باليأس من الحياة بالكلية أنني أخرج من الحبس ، وارجع إلى منزلتي التي كانت لي عند الملك الصالح نجم الدين ، وأنه يسيرني إلى بعلبك وأفتحها ، واحتاط على أولاد الملك الصالح إسماعيل ، وأحملهم بين يدي إلى دمشق ، فقلت لنفسي : هذا من الأماني الكاذبة التي تبعد في العقل أن تكون ، فما كان إلا مدة يسيرة وحصل لي ما تمنيته عيانا لم يخرم منه شيء ، وفي سنة أربع وأربعين أيضا اطلق صاحب حمص الأمير بدر الدين محمد بن أبي علي والد الأمير حسام الدين ، وكان الملك المجاهد حبسه بقلعة حمص ، مع الأمير سيف الدين بن أبي علي وجماعة الحمويين ، فقدم بدر الدين على ولده حسام الدين ، وهو يومئذ نائب السلطنة بالديار المصرية في سنة خمس وأربعين ، ثم توفي بعد قدومه بمدة يسيرة ، فدفنه ولده بالرصد وبنى عليه تربة ، وفي سنة ست وأربعين تقدم الملك الصالح نجم الدين إلى الأمير حسام الدين المذكور بالمسير إلى الصالحية مقدما على العساكر المتوجهة إلى الشام ، واستناب الملك الصالح بالديار المصرية عوضه الأمير جمال الدين موسى بن يغمور ، فخرج وأقام بالصالحية أربعة أشهر ، ثم رجع إلى القاهرة ، ثم سار إلى الشام مقدما على الحلقة السلطانية ، ومعه الدهليز السلطاني إلى حمص.