ومستنجدا على التتر ، فوعده بالنجدة بعد أن أكرمه غاية الإكرام ، وقدم له من التحف والخيول وغيرها ما يجل مقداره ، وعاد الملك الكامل إلى ميافارقين ولم يمكن الملك الناصر انجاده لما رأى من تخاذل أصحابه وضعف قلوبهم عن مقابلة التتر لكثرتهم ، ولأنه لم يتفق إلى تلك الغاية من انتصف منهم ، وقد ملكوا : العراق ، والعجم ، والروم ، وغير ذلك من الأقاليم ، والبلاد ، وسير هولاكو اشموط لمحاصرة الملك الكامل فحصره حصرا شديدا ، وبقي الملك الكامل رحمهالله مجاهدا للتتر ، صابرا لقتالهم حتى فني أكثر أهل ميافارقين ، وعمهم الموت قتلا ، وفناء لكثرة الغلاء ، وعدم الأقوات ، وبقي محصورا دون سنتين ، فعند ذلك ضعفت القوى عن محاربة العدو ، فاستولوا على ميافارقين ، واستشهد الملك الكامل قدس الله روحه ، وحمل رأسه على رمح ، وطيف به في البلاد ، فوصلوا به إلى حلب ، ثم إلى حماة ، وحمص ، وبعلبك ، وشاهدته رحمهالله وهو يطاف به بمدينة بعلبك ، ثم وصلوا به إلى دمشق يوم الاثنين سابع وعشرين جمادى الأولى ، وطافوا به بالمغاني والطبول ، ثم علق الرأس بسور باب الفراديس ، فلم يزل معلقا في شبكة إلى أن عادت دمشق إلى المسلمين ، فدفن بمشهد الرأس ، داخل باب الفراديس ، وقد ذكرنا كيفية دفنه وما قيل في ذلك فأغنى عن إعادته.
وكان رحمهالله ملكا جليلا دينا خيرا ، عادلا عالما ، محسنا إلى رعيته وسائر من في خدمته ، كثير التعبد والخشوع ، لم يكن في البيت الأيوبي من يضاهيه في ديانته ، وحسن طريقته رحمهالله ، ورضي عنه ، وكان التتار قد استولوا على جميع بلاده ومعاقله ، ومعظم أولاده وحرمه وأهله وهو محصور بميافارقين ، ثم ختم له بالشهادة على هذا الوجه الجميل ، بعد أن أفنى في مدة الحصار من التتار ما لا يحصى كثرة رحمهالله تعالى.
أبو علي بن محمد بن أبي علي بن باساك ، الأمير حسام الدين الهذباني.
كان أميرا كبيرا ، جليل المقدار ، قوي النفس حسن التدبير ، كثير