وأوصل إليه الكتاب ، فلما وقف عليه جمع وجوه قواده وغلمانه وقرأه عليهم ، ثم قال لهم : ما الرأي عندكم فيه؟ قالوا : نحن عبيدك وغلمانك ومهما أمرتنا به وندبتنا له ، كانت عندنا الطاعة والمناصحة فيه ، وتقدم عند ذاك باحضار الرسول ، فلما مثل بين يديه أمر بإعطائه الكتاب ، ولطمه حتى يأكله ، فقال له : أنا رسول وما عرف من الملوك معاملة الرسل بمثل ذلك وهذا الفعل ما لا يجوز ، فقال له : لابد أن تأكله ، فلما مضغه قال له : عد إلى صاحبك وقل له : لست ممن تخفى أخبارك عنه ، وتمويهاتك عليه ، وما بك حاجة إلى تجهيز العساكر إليّ فإنني سائر إليك ليكون اللقاء قريبا منك ، وخبري يأتيك من الرملة.
وقدم سعد الدولة قطعة من عساكره أمامه إلى حمص ، وعاد فائق إلى العزيز فعرفه ما سمعه وشاهده فأزعجه ذلك ، وبلغ منه ، وأقام سعد الدولة بظاهر حلب أياما على أن يرتب أموره ويتلو من تقدمه من عسكره ، فاتفق أن عرض له قولنج شفي منه ، وكان له طبيبان (٢٨ ظ) عارفان أحدهما يعرف بالتفليسي والآخر يوانيس ، فأشارا عليه بدخول البلد وملازمة الحمام فامتنع عليهما ، وقال لهما : أنا بإزاء وجه أريد قصده وإذا عدت وقع الإرجاف بي وكان في العود طيرة عليّ ، ثم زاد ما يجده ، فدخل فعالجاه فأبل واستقل وكتب إلى أصحابه يذكر عافيته ، فأوصل الناس إليه حتى شاهدوا حاله وهنوه بالسلامة ، وكان المستولي على أمره والمقدم عنده في رأيه لؤلؤ الكبير الذي تقدم ذكره ، فلما كان في اليوم الثالث من أكله الفروج (١) ، زين له البلد ليركب فيه من غد ويعود إلى
__________________
(١) لم يذكر المؤلف من قبل أكلة الفروج هذه ، فلعل الأصل ألم به سقط ، ولدى العودة إلى المصادر الأخرى لم أجد لها ذكرا ، ورأيت في مخطوط مرآة الزمان ، وفيات سنة ٣٨١ «وكان مستولي على أمره لؤلؤ الكبير وقد ذكرناه ، وزين البلد ، ولم يبق إلا أن يصبح فيركب ، وكان له أربعمائة سرية ...» ويستفاد من جملة الخبر أن سعد الدولة بعد اصابته بالقولنج أدخل البلد لمعالجته داخل الحمام وأنه أطعم بعد شفائه فروج ، وأستبعد أن يكون قد ألم بالعبارة أي تصحيف كالقول : «اليوم الثالث من ابلائه عزم على الخروج ، فزين له ...» انظر تاريخ يحيى بن سعيد : ١٧٤. ذيل تجارب الأمم : ٢١٦. زبدة الحلب : ١ / ١٨٠ ـ ١٨١.