وسار سعد الدولة إلى الرقة فنزل عليها وفيها سلامة الرشيقي وأبو الحسن ابن المغربي ، وأولاد بكجور وحرمه وأمواله ، وأرسل سلامة بتسليم البلد فأجابه «فإني عبدك وعبد عبدك إلا أن لبكجور عليّ عهودا ومواثيق لا مخلص لي عند الله منها إلا بأحد أمرين إما أن تذم لأولاده على نفوسهم وأموالهم وتقتصر فيما تأخذه على آلات الحرب والعدد ، وتحلف لي ولهم على ذلك ، وإما أن أبلي عذرا عند الله عزوجل فيما عقدته لبكجور» فأجابه سعد الدولة إلى ما اشترطه ، وحلف له يمينا عملها أبو الحسن ابن المغربي ، وكان سعد الدولة قد أباح دمه ، فهرب إلى الكوفة ، وأقام بمشهد أمير المؤمنين علي عليهالسلام.
ولما توثق سلامة (٢٨ و) سلم حصن الرافقة ، وخرج القوم ومعهم من المال والرحل الشيء الكثير ، وسعد الدولة يشاهدهم من وراء سرادقه وبين (يديه) (١) ابن أبي حصين القاضي ، فقال له : ما ظننت أن حال بكجور انتهت إلى ما أراه من هذه الأموال والأثقال ، فقال له : أي شيء اعتقد الأمير في ذاك؟ قال له : وهل بقي في هذا الأمر موضع اعتقاد؟ قال له ابن أبي حصين : إن بكجور وأولاده مماليكك ، وكل ما ملكوه فهو لك ، ولا حرج عليك فيما تأخذه منه ولا حنث في الأيمان التي حلفت بها ، ومهما كان فيها من وزر وإثم فعلي دونك ، فلما سمع هذا القول منه ، غدر بهم وتقدم بردهم والقبض عليهم وجميع ما معهم ، وكتب أولاد بكجور إلى العزيز بما تم عليهم وعلى والدهم ، وسألوه مكاتبة سعد الدولة بالكف عنهم والإبقاء عليهم ، فكتب إليه كتابا يتوعده فيه ويأمره بإزالة الاعتراض عن المذكورين وتسييرهم إلى مصر موفورين ، ويقول له في آخره : «إنك متى خالفتنا في ذلك واحتججت فيه ، كنا الخصوم له ، وجهزنا العسكر إليك» وأنفذه مع فائق الصقلبي أحد خواصه ، وسيره على نجيب ، فوصل فائق إليه وقد عاد من الرقة وهو بظاهر حلب ،
__________________
(١) أضيف ما بين الحاصرتين كيما يستقيم الخبر ، وفي زبدة الحلب : ١ / ١٨٠ ـ ١٨١ «وزيره أبو الهيثم بن أبي حصين ... وكان قاضي حلب في أيامه أبا جعفر أحمد بن اسحق».