المجلس السامي الجمالي ، بل نبشر الاسلام كافة بما منّ الله به على المسلمين من الظفر بعدو الدين ، فإنه قد كان استفحل أمره ، واستحكم شره ، وأيس العباد من الأهل والأولاد فنودوا (لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ)(١) الآية ولما كان يوم الأربعاء مستهل السنة المباركة تمم الله على الإسلام بركتها فتحنا الخزائن ، وبذلنا الأموال ، وفرقنا السلاح ، وجمعنا العربان والمطاوعة ، واجتمع خلق عظيم لا يحصيهم إلا الله تعالى ، وجاؤوا (مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)(٢) ومن كل مكان بعيد سحيق ، ولما رأى العدو ذلك أرسل يطلب الصلح على ما وقع الاتفاق بينهم وبين الملك الكامل فأبينا ، ولما كان في الليل تركوا خيامهم وأثقالهم وأموالهم ، وقصدوا دمياط هاربين ، فسرنا في آثارهم طالبين ، وما زال السيف يعمل في أدبارهم عامة الليل ، وقد حل بهم الخزي والويل ، فلما أصبحنا نهار الأربعاء قتلنا منهم ثلاثين ألفا غير من ألقى نفسه في اللج ، وأما الأسرى فحدث عن البحر ولا حرج ، والتجأ الأفرنسيس إلى المنية وطلب الأمان فأمناه ، وأخذناه ، وأكرمناه ، وتسلمنا دمياط بعون الله وقوته وجلاله وعظمته». وذكر كلاما طويلا ، وفي ثامن عشرين المحرم قتل المعظم تورانشاه.
وفيها : وصل ابن الملك العزيز صاحب بانياس منهزما من مصر ، نفاه تورانشاه ، فلما طلع من دمشق طلع إلى عزتا ، واعتقل فيها.
وفي مستهل ربيع الآخر وصل الملك الناصر يوسف بن الملك العزيز صاحب حلب إلى قارا يريد دمشق ، فأرسل جمال الدين بن يغمور والقيمرية إلى عزتا ، فأنزلوا ابن الملك العزيز إلى دمشق وأسكنوه دار فرخشاه ، وجاء عسكر حلب فنزل القصير ، وانتقلوا إلى داريا يوم السبت سابع ربيع الآخر ، وزحفوا يوم الأحد ثامن ربيع الآخر إلى باب
__________________
(١) سورة يوسف ـ الآية : ٨٧.
(٢) سورة الحج ـ الآية : ٢٧.