أوحشتني ، وحملته على كتفها ، فاستشعر فقتل بعد ذلك بأيام ، ثم مر به من المعركة بقميص واحد ، وجعل في حراقة إلى القاهرة ، وخربت داره كأنها لم تكن بالأمس ، أخربها الأمراء الذين كانوا يركبون كل يوم إلى خدمته ، ويقفون على بابه ، وهم أكثر من سبعين أميرا كانوا يتمنون أن ينظر إلى أحد منهم نظرة ، أخربوا داره بأيديهم ، وحمل على الأصابع ، وبكى عليه الناس ، وعمل له العزاء العظيم ، وكان له يوم مات ست وثلاثون سنة ، ولما وصل تورانشاه إلى العسكر أخذ مماليك فخر الدين الصغار ، وبعض قماشه بنصف القيمة ، ولم يعطهم درهما ولا عوض الورثة شيئا ، وكان الثمن خمسة عشر ألف دينار ، وكان إذا جلس جعل حسنات فخر الدين سيئات يقول : أطلق الكتان ، والسكر ، وأنفق الأموال ، وأطلق المحابيس ، فأيش ترك لي أنا ، فكان حفظه للملك وسياسته العسكر ، ومقاتلته للأعداء من أكبر ذنوبه ...
فصل
السنة الثامنة والأربعون وستمائة
وفي أول ليلة منها كان المصاف بين الفرنج والمسلمين على المنصورة ، بعد مجيء الملك تورانشاه إلى الخبيث الأفرنسيس ، وقتل من الفرنج مائة ألف ، ووصل كتاب المعظم تورانشاه يقول : «(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ)(١)(وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ)(٢)(وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)(٣)(وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)(٤)(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها)(٥) نبشر
__________________
(١) ـ سورة فاطر ـ الآية : ٣٤.
(٢) ـ سورة آل عمران ـ الآية : ١٢٦.
(٣) ـ سورة الروم ـ الآيتان : ٤ ـ ٥.
(٤) ـ سورة الضحى ـ الآية : ١١.
(٥) ـ سورة النحل ـ الآية : ١٨.