مضيف في رمضان ، فقال له : يا شيخ ممن أنت؟ قال : من الحربية ، قال : أما عندكم دار مضيف؟ قال : بلى ، قال : تأخذ من الموضعين؟ قال : فبكى الشيخ ، وقال : والله ما أخذت من المحلتين ، وإنما أنا رجل كان لله علي نعمة ، وكان لي مال كثير ، فافتقرت ، وذهب المال والولد ، وأستحيي من أهل محلتي أن آخذ من دار المضيف ، فأنا أمضي إلى المحلة التي لا أعرف فيها فآخذ الطعام في القدح ، وآتي إلى باب الحربية ، فإذا أذن المغرب ، ودخل الناس في الصلاة ، دخلت بيتي ، ولا يراني أحد ، فبكى الخليفة وقال لنفسه : ويحك يا منصور ما جوابك غدا إذا سألك الله عن هذا الفقير المحتاج؟ ثم أعطاه ألف دينار ، وقال : إذا نفدت تعال إلى باب البدرية ، فأخذ المال ، ومن فرحه انشق قلبه فعاش عشرين يوما ، ومات وطولع الخليفة فقيل ما نقص غير دينار فقال : إن كان له ورثة فادفعوه إليهم ، وإلا فأذنت لكم أن تتصدقوا به في الحربية على الفقراء ، فهذا مال أخرجناه لله فلا ترجع فيه ، ولا يدخل إلينا.
وكانت وفاته في هذه السنة ، وحمل إلى الرصافة ، وحزن الخلق عليه حزنا عظيما لإحسانه إليهم ، وعمل له العزاء ببغداد ، والبلاد كلها ، ثلاثة أيام ، وولى ولده عبد الله ، ولقبه المستعصم بالله ، والحمد لله وصلى على أشرف خلقه محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم.
السنة الحادية والأربعون وستمائة
وفيها ترددت الرسل بين الصالح أيوب ، وعمه الصالح إسماعيل في الصلح ، وقدم الشرف ابن التبنيني والأصيل السعرتي الخطيب ، وأطلق المغيث بن الصالح أيوب ، وخطب للصالح أيوب بدمشق ، ولم يبق إلّا أن يتوجه المغيث إلى مصر ، ورضي الصالح ببقاء دمشق على عمه الصالح ، بعد أن سلم إليه ولده عمر المغيث ، فأفسد السامري وزير إسماعيل الحال ، وقال لإسماعيل هذا خاتم سليمان لا تخرجه من يدك ، فتقدم الملك ، وتوقف الأمر ، ولم ينتظم صلح ، ومنع المغيث من