قرية على باب إربل يقال لها بيت النار ، فلا يدخلون إربل حتى يجهز غيرهم لئلا ينقطع عمله ، وإذا خلص الأسير أعطوه كسوة ونفقة توصله إلى أهله ، فكان يخلص في كل سنة خلقا كثيرا ، فلما توفي أحصى ما تخلص من الأسارى ، فكانوا ستين ألف أسير ما بين رجل وامرأة ، وكان يبعث في كل سنة بمال يفرق في الحرمين وعشرة آلاف دينار تنفق في السبيل ، وألف دينار برسم إجراء الماء إلى البرك التي بعرفات.
وحكت زوجته ربيعة خاتون قالت : كان ثوبه يساوي خمسة دراهم من خام ، فقلت له : لو لبست ألين من هذا ، فإن بدنك ما يحتمل الخشن ، فقال : أيما أصلح وأكثر أجرا ، أنني ألبس ثوبا بعشرة دراهم ، أو ألبس ثوبا بخمسة دراهم ، وأتصدق بخمسة على فقير أو مسكين ، وكانت أمواله استنفدتها الصدقات ، فكان يرسل الجواهر فيبيعها بدمشق ، ويشتري الأسارى.
وحكى لي بإربل أنه كان ينفق على المولد في كل سنة ثلاثمائة ألف دينار ، وعلى الخانكاه مائتي ألف ، وعلى دار المضيف مائة ألف ، وعلى الأسارى مائة ألف ، وفي الحرمين ، والسبيل ثلاثين ألف دينار غير صدقات السر.
قلت : ومع هذه المناقب فلا يسلم من ألسنة الناس ، ويقولون : هذا يصادر ديوانه ، ودواوينه ، وكتابه ويستأصلهم ، ولعله اطلع منهم على خيانات فرأى أخذ الأموال وإنفاقها في أبواب البر ، والقربات أولى.
وذكروا أشياء أخر ، من ذا من ألسنة الناس يسلم؟ اللهم غفرا.
وكانت وفاته في رمضان بقلعة إربل ، وأوصى أن يحمل إلى مكة فيدفن في حرم الله تعالى ، وقال : أستجير به ، فحمل في تابوت إلى الكوفة ، ولم يتفق رواح الحج في هذه السنة إلى مكة ، فدفن عند أمير المؤمنين علي عليهالسلام ، وكان أيوب بن الكامل في آمد ، وإسماعيل ابن