قلت : سبحان الله كيف سمحت نفس الأشرف بهلاك رجل مسلم قد خدمه مدة سنين ، وحفظ بلاده من السلاطين ، وكسر جيوش المخالفين ، وكان الأشرف يغيب تارة بالشام ، وتارة بمصر ، والحاجب يسوس تدبيره على أحسن نظام ، وما خان الحاجب في درهم ولا دينار ، ولا قصر في خدمة ربه آناء الليل وأطراف النهار ، ولكن حبه لدمشق هو الذي هون عليه هلاك الحاجب ، وأنساه خدمة المشفق الصاحب ، ولما وصل الكتاب إلى أيبك رمى الحاجب في جب ، وأخذ جميع ماله ، وبعث به في جماعة من الأرمن فخنقوه ، ولما فتحت خلاط عمد مماليكه إلى أيبك فقطعوه ، ثم اعتقل الأشرف أخا الحاجب علي في قلعة دمشق ، واستأصله ، ثم أطلقه ، وسار الخوارزمي فنزل على أعمال توريز.
وفيها مات الحلي الشاعر وقد ذكرناه لما أخذ المسلمون دمياط ، والحمد لله وحده.
السنة الثامنة والعشرون وستمائة
وفي جمادى الأولى ، ذكر التقي بن الصلاح الدرس في المدرسة التي وقفتها ابنة حسام الدين لاجين ابن ست الشام على الشافعية بدمشق ، المجاورة إلى مرستان نور الدين ، وفي رجب ذكر الناصح بن الحنبلي الدرس في المدرسة التي أنشأتها ربيعة خاتون بنت أيوب بقاسيون ، وحبس الأشرف علي الحريري بقلعة عزتا.
وفي رمضان ساق التتر خلف جلال الدين خوارزم شاه من بلاد توريز ، فانهزم بين أيديهم إلى ديار بكر ، وكان قد استحلف صاحب آمد متى قصدوه فتح له باب آمد ، وكان ظهرا له ، فجاء إلى آمد فلم يفتح له الباب ، ورموه بالحجارة من السور ، فأخذ على وجهه وحده في أطراف الجبال ، فوصل إلى قرية من أعمال ميافارقين فقتل فيها وسنذكره.
وجاء التتر إلى ميافارقين وطلبوه ، فقال سيف الدين غازي : والله ما