ووقف الخوارزمي على رأس الجبل وسنجقه في الوادي ، ووقع القتال ، وأرسل الله ضبابا فلم ير أحد كفه ، ونصرنا الله عليهم ، فانكسروا ووقع معظمهم في الجبال والأودية ، وقاتل الروم قتالا شديدا ، وكان من وقع من رأس الجبل إلى الوادي أكثر ، فأصبحوا بين قتيل وأسير ، وغنم الناس أموالهم ، وخيلهم وسلاحهم ، وامتلأت الجبال ، والأودية بنتنهم ، وشبعت الطيور ، والوحوش من دمائهم ، ولحومهم.
وقال الأشرف للرومي : لابد لي من خلاط ، فأعطاه وأصحابه وإخوته ، وجميع الأعيان من الأموال ، والخلع ، والثياب ، والخيل ، والتحف ما قيمته ألفي ألف دينار ، ورجع الرومي إلى بلاده ، وجرد مع الأشرف بعض عسكره ، وسار الأشرف ، فنزل أرزن الروم ، وكان صاحبها قد سار مع الخوارزمي ، فأخذها منه وبعث به إلى صاحب الروم ، وسلم أرزن إلى نواب صاحب الروم ، وسار إلى خلاط ، ولما وصل الخوارزمي إلى خلاط أخذ جميع ما كان له فيها ، والكرجية ، ومجير الدين وتقي الدين ، ونزل أرجيش وجاء الأشرف فنزل خلاط ، وسار خلف الخوارزمي ، فأبعد عنه ، وتراسلا ، واصطلحا على أن يطلق الخوارزمي من عنده من الأسارى ، فأطلق مجير الدين ، وتقي الدين ، ولم يطلق الكرجية ، وعاد الأشرف إلى دمشق مستهل جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وستمائة ، فأقام شهرا وطلع إلى أخيه الكامل إلى مصر.
قلت : ومن العجائب أنه كانت لي عادة أن أجلس الثلاثة أشهر بجامع دمشق ، فلما كان في يوم السبت ثامن عشرين رمضان اليوم الذي التقى فيه الخوارزمي ، وثار الضباب ، وكان آخر مجالسي بجامع دمشق ، وحضره الصالح إسماعيل ، وكان نائب الأشرف بدمشق ، فقال الصالح ـ وكان بالقبة ـ لنجم الدين بن سلام : قل للشيخ يدعو للسلطان بالنصر ، فأشار إلىّ ، فدعوت وأمن الجماعة ، فثار في ساعة الدعاء ضباب عظيم ، وغشي أهل المجلس ما غشيهم ، وغبت أنا أيضا ، فلما أفقت