سلم إليه القدس ، فقال له : يا قاضي أين ذاك الرجل الذي طلع البارحة المنارة ، وذكر ذاك الكلام ، فعرفه أن السلطان أوصاه ، فقال الإنبروز : أخطأتم يا قاضي تغيرون أنتم شعاركم ، وشرعكم ، ودينكم لأجلي فلو كنتم عندي في بلادي هل كنت أبطل ضرب الناقوس لأجلكم؟ الله ، الله لا تفعلوا هذا أول ما تنقصون عندنا ، ثم فرق في القوام ، والمؤذنين ، والمجاورين جملة أعطى كل واحد عشرة دنانير ، ولم يقم بالقدس سوى ليلتين ، وعاد إلى يافا ، وخاف من الداوية فإنهم طلبوا قتله.
فصل
وفيها اشتد الحصار على دمشق ، فألجت الضرورة أن الناصر خرج إلى عمه الكامل ، وأعطاه الكرك ، وعجلون ، والصلت ، ونابلس ، والقدس ، والخليل ، وأخذ منه الشوبك ، وسلم إليه دمشق ، وكان نزوله على دمشق في ربيع الآخر من هذه السنة ، وتسلمها في غرة شعبان ، أقاموا عليها أربعة أشهر ، وسلم الكامل دمشق إلى الأشرف.
ونزل الخوارزمي على خلاط ، وأقام عليها إلى السنة الثانية ، ونزل عليها الثلج ، وحفر أسرابا له ولأصحابه ، ولم يزل حتى أخذها عنوة في السنة الآتية.
وسار الكامل إلى حماة ، فحصرها وأخذها من الناصر قليج أرسلان ، وأعطاها لمحمود ابن المنصور ، ولقبه المظفر ، وكلاهما ابنا أخيه.
وسار الناصر إلى الكرك ، وكان قد بكى بين يدي الكامل على الشوبك ، فقال الكامل : أنا مالي حصن يحمي رأسي ، وافرض أنك وهبتني إياه ، فسكت ، وأقام الأشرف بدمشق فدخل عليه ابن عنين الشاعر فلم ير منه ما كان يعهده من مجالس المعظم ، وما كان يجري فيها من الهنات وقذف المحصنات ، فإن ابن عنين كان هجاء خبيث اللسان ، فشرع فيما كان يفعله فنهاه الأشرف ، وقال : ما مجالسي كما عهدته ، يكفيني ما أنا فيه