عجائب منها أنه لما دخل الصخرة رأى قسيسا قاعدا عند القدم ، يأخذ من الفرنج القراطيس ، فجاء إليه كأنه يطلب منه الدعاء ، ولكمه فرماه إلى الأرض ، وقال : يا خنزير السلطان قد تصدق علينا بزيارة هذا المكان تفعلوا فيه هذه الأفاعيل ، لئن عاد واحد منكم دخل على هذا الوجه لأقتلنه.
وحكى صورة الحال قوام الصخرة ، قالوا : ونظر إلى الكتابة التي في القبة ، «وقد طهر هذا البيت المقدس صلاح الدين من المشركين» ، فقال : ومن هم المشركون؟ وقال للقوام : هذه الشباك التي على أبواب الصخرة من أجل ايش؟ قالوا : لئلا تدخلها العصافير ، فقال : قد أتى الله إليكم بالجبارين.
قالوا : ولما دخل وقت الظهر ، وأذن المؤذن قام جميع من معه من الفراشين والغلمان ومعلمه ، وكان من صقلية يقرأ عليه المنطق فصولا ، فصلوا ، وكانوا مسلمين ، قالوا : وكان الإنبروز أشقر في عينيه ضعف ، لو كان عبدا ما ساوى مائتي درهم ، قالوا : والظاهر من كلامه أنه كان دهريا ، وإنما كان يتلاعب بالنصرانية ، قالوا : وكان الكامل قد تقدم إلى القاضي شمس الدين قاضي نابلس أن يأمر المؤذنين مادام الإنبروز في القدس لا تصعدوا المنبر ، ولا تؤذنوا في الحرم فأنسي القاضي أن يعلم المؤذنين ، وصعد عبد الكريم المؤذن في تلك الليلة في وقت السحر ، والإنبروز نازل في دار القاضي فجعل يقرأ الآيات التي تختص بالنصارى مثل قوله تعالى (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ)(١)(ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ)(٢) ونحو هذا ، فلما طلع الفجر استدعى القاضي عبد الكريم ، وقال له : إيش عملت؟ السلطان رسم كذا وكذا ، قال : فما عرفتني والتوبة.
فلما كانت الليلة الثانية ما صعد عبد الكريم المأذنة ، فلما طلع الفجر استدعى الإنبروز القاضي ، وكان قد دخل القدس في خدمته وهو الذي
__________________
(١) سورة المؤمنون ـ الآية : ٩١.
(٢) سورة مريم ـ الآية : ٣٤.