كم كان لهم في تلك
الأماكن من ركعة ، وكم جرت لهم على تلك المساكن من دمعة ، تا لله لوصارت عيونهم
عيونا لما وفت ، ولو تقطعت قلوبهم أسفا لما شفت ، أحسن الله عزاء المؤمنين ، يا
خجلة ملوك المسلمين ، لمثل هذه الحادثة تسكب العبرات ، لمثلها تنقطع القلوب من
الزفرات ، لمثلها تعظم الحسرات.
وذكر كلاما طويلا
، وأكثر الشعراء في حديث القدس ، وحكى أن فقيرا بات بالقدس سمع قائلا يقول في
الليل هذه الأبيات :
إن يكن بالشآم
قل نصيري
|
|
وتهدمت ثم دام
هلكي
|
فلقد أصبح
الغداة خرابي
|
|
سمة العار في
حياة الملوك
|
ومضى عز الدين
أيدمر إلى الكامل من نابلس ، وكان الناصر قد أهانه فأعطاه عشرة آلاف دينار ، وعرفه
الإنعام ، وكان الكامل عزم على العود إلى مصر ، فقال : جاءني مفتاح الشام ، ونمى
إلى الأشرف والكامل أني قد أفتيت بقتالهما على المنبر ، فأرعدا وأبرقا ، وتواعدا
عليه ، وتهددا ولذكر الله أكبر ، فتوكلت على الله ، ومن يتوكل على الله فهو حسبه
واعتمدت عليه ، ومن يعتمد عليه يصفو له شربه ، وأحيط بدمشق من كل جانب وحل بها من
الخراب والفساد العجاب ، وقبض الناصر على الفخر بن بصاقة ، وابن عمه المكرم ،
ورماهما في الجب ، واستأصلهما وقيدهما ، وكان قد اتهم الفخر بالأشرف ، وأنه لما
مضى في الرسالة واطىء على الناصر ، وقال : هذا صبي لا يصلح للملك ، وأنت أولى
فبلغني أنهما في الجب تغاضبا ، فقال الفخر للمكرم : يا مكرم بعد الأمر والنهي ،
والجاه أصارنا الدهر إلى الحبوس والقيود؟ فسبحان مزيل النعم ، فقال له المكرم :
سبحانك ، أي أنت كنت السبب.
فصل
وفيها دخل
الإنبروز إلى القدس ، والحصار على دمشق ، وجرى له