وتكلمت أول يوم في عزائه ، فغلبني البكاء ، وكان محسنا للرعية ، ذابا عن حريمهم ، رفيقا بهم يعرف صغيرهم ، وكبيرهم ، وكان يحضر مجالسي بجامع دمشق ، وبالقدس ، ويبكر إلى جامع دمشق ، فيقعد عند المنبر الذي عند باب المشهد بين العامة ، فلما رجع من الحج سنة احدى وعشرين وستمائة ، حضر مجلسي بجامع دمشق ، فأنشد قصيدا لجدي رحمهالله.
سلام على الدار التي لا نزورها |
|
على أن هذا القلب فيها أسيرها |
من أبيات ، فلما فرغ من القصيدة بكى ، وزاد بكاؤه ، فخفت عليه لا يفتضح بين الناس ، فقلت : لا نسى الله لك مواقفك في رضائه ، وسهرك الليالي في جهاد أعدائه :
ذكر ما بنى من المدارس وغيرها
بنى مدرسة بقاسيون ، ودفن فيها والدته ، وأخاه المغيث ، ومدرسة القدس ، ودار المضيف ، واعتنى بأرض الحجاز ، فبنى حمامين بعمان للرجال والنساء ، وأقام لهم الضيافة عند زواحهم إلى مكة ومجيئهم ، وأباحهم الحمامين ، وزرع طريق الحجاز من باب الجابية إلى مكة ، وحفر البرك والمصانع ، وأوقف على الحاج ضياعا من الساحل ، وعلى المدارس ، ولو عاش لسار الناس إلى مكة بغير دليل ، وكان قد حج في سنة احدى عشرة وستمائة على طريق تبوك والمعلى ، ففعل ما ذكرناه في طريقها ، وكانت المعلى لبني صخر ، وهي قلعة فأخذها منهم ، ورتب فيها جماعة ، وعمر المساجد عند جعفر الطيار ، وأقام الضيافات للزوار ، وبنى سور دمشق والطارمة التي عند الباب الجديد ، والطيارة التي عند باب السر المشرفة على دار المعظم العتيقة وبنى الخان على باب الجابية ، وبنى الدار والجسر والقصر والقيسارية وغير ذلك.
ذكر ثناء الخلفاء والملوك عليه
لما قدم خالي في سنة ثلاث وعشرون وستمائة ، قال لي : أمرت من