الممالك تكتب خطك على عشر مجلدات أنك قد حفظتها ، فقال : ليس الاعتبار بالألفاظ ، وإنما الاعتبار بالمعاني ، بسم الله فاسألوني عن جميع مسائلها ، فإن قصرت كان الصحيح معكم ، وإلا فسلموا إلى ما قلت.
حكى لي سعد الدين مسعود والي الخوان ، قال : كنت واليا بالشوبك ، وكان بها راهب منفرد في بعض الجبال ، فجاءني كتاب المعظم بنفيه ، فنفيته فغاب سنة ، وجاءني بكتاب المعظم : أعده إلى مكانه وتوص به ، فبحثت عن قصته ، وإذا به قد بعث به إلى البحر ، كشف له أخبار الإنبروز على وجهها ، وإنما نفاه حتى لا يتهم وأطلق له أرضا يعيش منها ، وأعطاه مائة دينار.
وكان يحب الفقهاء يحرضهم على الاشتغال بالعلم ، فيقول : من حفظ نص الجامع الكبير للكرماني أعطيته مائة دينار ، ومن حفظ الإيضاح لأبي علي في النحو أعطيته مائتي دينار ، فحفظ جماعة الكتابين ، ووفى لهم بما شرطه.
ذكر وفاته
كان قد جهز العساكر إلى طرابلس خوفا من اتفاق الإنبروز وخوفا من الكامل ، ومرض في نصف شوال ، وكان عنده رسل الخوارزمي ، فحكى لي نجم الدين بن سلام ، قال : غرم عليهم في مدة تسعة أشهر تسعمائة ألف درهم ، واشتد مرضه ، وأصابه ذرب عظيم بحيث أنه رمى قطعة كبده ومصرانا ، وكثرت الأقوال أنه سقي السم ، واتهم به جماعة ، وربك الخبير ، وآخر عهدي به ليلة الجمعة تاسع عشرين ذي القعدة ، دخلت عليه آخر النهار ، وعنده ولده الملك الناصر داود ، وكريم الدين الخلاطي ، ويعقوب الحكيم ، في محفة قد زمن ، وقد تغيرت أحواله ، وطلع الموت في محاسن وجهه المليح ، فبكيت فقال : حاشاك ، حاشاك ، وتحته طراحة خفيفة بندقي ومخدة ، ولحاف من جنسها ، وعلى رأسه