وحج بالناس من العراق قيران شمس الدين ، مملوك الخليفة ، وبعث الخليفة لشهاب الدين فرسين ، وبغلة وألف دينار ، وقال : هذه من ملكي للفقهاء في طريق الحاج وأوصى أمير الحاج بخدمته وتصدق في مكة والمدينة وعاد إلى العراق ، ولم يصل الكوفة بل سار غربي الطريق الذي سلكها ، فكاد يهلك ومن معه عطشا حتى وصل إلى حران.
فصل
وفيها توفي الملك المعظم عيسى بن العادل أبي بكر بن أيوب : العالم ، الفقيه ، الفاضل ، المجاهد في سبيل الله الغازي ، النحوي اللغوي.
ذكر طرف من أخباره
ولد بالقاهرة في سنة ست وسبعين وخمسمائة ، ونشأ بالشام ، وقرأ القرآن ، وتفقه على مذهب أبي حنيفة على فخر الدين الحصيري ، وحفظ المسعودي ، واعتنى بالجامع الكبير ، وقرأ الأدب على تاج الدين الكندي ، فأخذ عنه كتاب سيبويه ، وشرحه للسيرافي ، والحجة في القراءات لأبي علي الفارسي ، والحماسة ، وقرأ عليه الإيضاح لأبي علي حفظا ، وسمع مسند أحمد على حنبل بدمشق ، وعلى ابن طبرزد أشياء من مسموعاته ، وسمع السيرة لابن هشام على ابن المحلي بمصر ، وغير ذلك ، وشرح كتب الجامع الكبير ، والرد على الخطيب والعروض ، وله ديوان شعر ، ومن تصنيفه العروض ما كان يقيم وزن الشعر في بعض الأوقات ، فكنت أقول له : فيك ضرب من النبوة ، (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ)(١) ، وكان شجاعا مقداما ، كثير الحياء متواضعا ، مليح الصورة ، ضحوكا غيورا ، جوادا ، حسن العشرة ، محافظا على الصحبة والمودة ........
وكان إذا خرج إلى الغزاة لا ينام إلا على جل الفرس ، وزرديته مخدته ، ولا يقطع الإشتغال بالقرآن ، وبالجامع الكبير ، وسيبويه ، وكان دائما يركب ، فإذا نزل مد السماط ، فإذا أكل الناس قضى الحوائج إلى الظهر.
__________________
(١) سورة ياسين ـ الآية : ٦٩.