يا سيدي قضى الله ، فيقول لها : ستر الله عليك ، ويبعث معها الخادم من باب السر إلى بيتها ، فأقام على هذا نحوا من أربعين سنة ، وكان في قلب المعظم له شحناء ، لأنه كان مشفقا عليه ، ويحفظه من أماكن يدخل إليها بدمشق في الليل ، وهو شاب ، فيأمر غلمانه أن يتبعوه من بعيد وكان العادل من مصر يكتب إليه بذلك ، فلما مات العادل أظهر ما كان في قلبه منه ، واعتقله مدة في القلعة ، فلم يظهر عليه ، ولا على أحد من أولاده وحاشيته أنه أخذ من أحد من الرعية ما مقداره مثقال حبة من خردل ، ولا غير ما كان عليه من العفة والأمانة والصلاح ، والديانة ، ولا غير ولا بدل ، ثم أنزله من القلعة إلى داره ، وحجر عليه في وطنه وبالغ في التشديد ، والعجب من الحجر على الحر البالغ العاقل الرشيد ، وكانت وفاته في حادي عشر ذي القعدة ، ودفن بقاسيون في التربة التي أنشأها بالجبل عن ثمانين سنة.
وحكى أنه ولي دمشق نيابة بدر الدين الشحنة أول ولاية صلاح الدين ، ثم استقل بالولاية إلى أن عزل في سنة سبع عشرة وستمائة ، وصلاح الدين فتح دمشق في سنة سبعين وخمسمائة أو إحدى وسبعين وخمسمائة ، وكانت ولايته نيابة واستقلالا قريبا من خمسين سنة ، قالوا : ولم يؤخذ على المبارز شيء إلا أنه كان يحبس وينسى ، فعوقب بمثل ذلك ، أقام محبوسا خمس سنين إلا أياما.
وجرت لي معه واقعة عجيبة ، كنت في كل ليلة جمعة أزوره ، وانقطعت عنه مدة بسبب غلق باب داره في بعض الأوقات ، فرأيت في المنام كأن قبره في روضة خضراء ، والقبر معمول بالفص الأخضر ، وليس هو من جنس فصوص الدنيا ، نظرت لحسنه ورونق المكان ، فهتف بي هاتف : لو رأيت ما في باطن القبر ، قلت : فما في باطنه؟ قال : الدر ، والياقوت والمرجان ، وما يستغني عن قراءة كتاب الله تعالى ، فانتبهت وفهمت الإشارة فأنا في كل ليلة أقرأ ما تيسر من القرآن ،