العادل استقلالا ، فأحسن السياسة ، وتلطف بالرعية ، فكان للكبير منهم ولدا وللصغير ، والدا ، وللمتوسط أخا ، وله واقعات عجيبة.
ذكر طرف من أخباره
كان دينا ، عفيفا ، نزها ، اصطنع عالما من النساء والرجال وستر عليهم كبائر الأحوال ، وكانت دمشق في أيام ولايته حرة طاهرة ، ودلائل الخيرات بها ظاهرة ، ومما جرى له أنه كان في دمشق رجل فاتك وإلى جانب بيته قوم لهم ولد صغير في آذانه حلق ذهب ، فاغتاله الرجل يوما فخنقه ، وأخذ الحلق من أذنه ، وأخرجه فدفنه في الباب الصغير ، وفقدته أمه ، فاتهمت الرجل به فعذبه المبارز عذابا أليما فلم يقر وأطلق ، وفي قلب المرأة النار من فقد ولدها ، فطلقت زوجها وتزوجت القاتل ، وأقامت معه مدة فقالت له يوما وهي تداعبه : قد مضى الابن وأبوه وكان منهما ما كان ، وكان ـ الزوج قد مات ـ أنت قتلت الصغير؟ قال : نعم ، وأخذته ودفنته بالباب الصغير ، قالت : فأرني قبره ، فأخذها ، وخرج بها إلى المقابر ، وحفر القبر ، ورأت ولدها فلم تتمالك وضربت القاتل بسكين فشقت بطنه ودفعته ، فألقته في القبر ، وجاءت إلى المبارز فحكت له الحكاية ، فقام وخرج معها إلى القبر فكشفته ، فقال لها : أحسنت ، والله ينبغي لنا كلنا أن نشرب لك فتوة.
وحكى لي قال : لما حرم العادل الخمر ركبت يوما من باب الفرج ، فإذا برجل في رقبته طبل ، وهو يتمايل تحته فقلت : أمسكوه وشقوا الطبل ، فشقوه وإذا فيه ركوة خمر ، فبددتها وضربته الحد ، فقلت له : فمن أين علمت؟ قال : رأيت رجليه وهي تلعب ، فعلمت أنه حامل شيئا ثقيلا ، وكان لداره بابان : باب كبير عليه الغلمان والنواب ، وباب سر في زقاق آخر ، فكان البوابون إذا أمسكوا امرأة في الليل من بيت معروف ، وحملوها إليه يقول : انزلوا حتى أقررها ، ثم يقول لها : يا بنتي أنت من بيت كبير ، وأهلك رجال معروفون فما الذي جرأك على هذا؟ فتقول :