الماء ، وقد بنى له على رأس العين مسجدا صغيرا يأوي إليه ، وكان الدماشقة يخرجون من دمشق إلى زيارته ، فحكت لي امرأة صالحة قالت : خرجت من دمشق بعد العصر ، فوصلت إلى العيون بعد العشاء الآخرة فتوضأت ، وطلعت إلى باب الزاوية ، وكانت ليلة مقمرة وإذا بالسبع نائما على باب الزاوية ورأسه على عتبتها فيئست ولم أقدر أتحرك ، فسحبت ركبتي إلى نحو القبلة ، فلما كان وقت السحر هرول السبع ومضى ، وخرج الشيخ فرآني فقال : ويحك وايش كان عليك منه ، ومن هذا كثير.
وكان الشيخ شجاعا لا يبالي بالرجال قلوا أو كثروا ، وكان قوسه ثمانين رطلا ، وما فاته غزاة الشام قط ، وكان يتمنى الشهادة ، ويلقي نفسه في المهالك ، حكى لي عنه خادمه عبد الصمد قال : لما دخل العادل إلى بلاد الفرنج ، ووصل إلى صافيتا ، كان الشيخ في الزاوية ببعلبك ، فقال لي : يا صميد انزل إلى الفقيه عبد الله اطلب لي منه بغلة ، قال فأحضرت البغلة فركبها وخرجت معه فبتنا في هونين ، وقمنا نصف الليل فجئنا إلى المحدثة قبل الصبح ، فقلت : لا تتكلم هاهنا ، فهذا مكمن الفرنج ، قال : فرفع صوته وقال : الله أكبر ما أبركك من يوم أمضي إلى صاحبي ، وساق إليهم وقد شهر سيفه ، فقلت في نفسي : شيخ وتحته بغلة وبيده سيف يسوق إلى طلب الفرنج ، قال : فانكسر قلبي ، وفترت همتي فقلت له : احمد ربك فإن الله قد نظر إليك أنت واحد تريد تلاقي مائة حمار وحش على بغلة.
قال : وجئنا إلى حمص ، فجاءنا الملك المجاهد أسد الدين ، وقدم له حصانا من خيله ، فركبه ودخل معهم ، فعمل العجائب ، وكان يقول للفقيه محمد : فيّ وفيك نزل (إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ)(١) أنا من الرهبان وأنت من الأحبار.
__________________
(١) سورة التوبة ـ الآية : ٣٤.