البلد ويخرجون منها بأهلهم وأموالهم ، واجتمع الأقساء وحلفوهم على ذلك ، فركبوا في المراكب ، وزحفوا في البحر والبر ، وفتح لهم أهل دمياط الأبواب ، فدخلوا ورفعوا أعلامهم على السور ، وغدروا بأهله ، ووضعوا فيهم السيف قتلا وأسرا ، وباتوا تلك الليلة في الجامع يفجرون بالنساء ، ويفضحون بالبنات ، وأخذوا المنبر ، والمصاحف ورؤوس القتلى ، وبعثوا بها إلى الجزائر ، وجعلوا الجامع كنيسة وكان أبو الحسن بن قفل بدمياط ، وسألوا عنه ، فقالوا : هذا رجل صالح من مشايخ المسلمين تأوي إليه الفقراء ، فما تعرضوا له ، ووقع على الإسلام كآبة عظيمة ، وبكى الكامل والمعظم بكاء شديدا ، ثم تأخرت العساكر عن تلك المنزلة ، فكان المعظم يقول لي بعد ذلك : لو كان الدعاء الآن يسمع ، لسمع دعاء أهل دمياط ، فإن الله تعالى أخبرنا أنه يستجيب دعاءنا في عدة مواضع من كتابه ، وإنما أهل دمياط لما كثر فسقهم ، وفجورهم سلط الله عليهم من انتقم منهم (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً)(١) الآية.
ثم قال الكامل للمعظم : وقد سقط في يده قد فات ما ذبح ، وجرى المقدور بما هو كائن ، وما في مقامك هاهنا فائدة ، والمصلحة أن تنزل إلى الشام تشغل خواطر الفرنج وتستجلب العساكر من الشرق.
فصل
وكتب المعظم إليّ وأنا بدمشق كتابا بخطه يقول في أوله : أخوه عيسى الكاملي قد علم الأخ العزيز ، وذكر ألقابا كثيرة ، وقال : قد جرى على دمياط ما جرى ، وأريد أن تحرض الناس على الجهاد ، وتعرفهم ما جرى على إخوانهم أهل دمياط من الكفرة أهل العناد ، وإني كشفت ضياع الشام فوجدتها ألفي قرية منها ألف وستمائة أملاك لأهلها ، وأربعمائة سلطانية ، وكم مقدار ما تقوم هذه الأربعمائة من العساكر؟ وأريد أن
__________________
(١) سورة الإسراء ـ الآية :