الملهوف ، وكان يتوقد ذكاء ، وفطنة ، سريع الإدراك جلست عنده في سنة اثنتي عشرة وستمائة ، وكان الأشرف قد أرسلني إليه في قضايا لا يطلع عليها كاتب ، وكتب كتابا بيده إلى الظاهر ، وكان جلوسي في يوم أخذ ابن لاون أنطاكية ، وقد ذكرته ، وكان بحلب فقير يحضر مجالسي قبل ذلك في سنة ثلاث وستمائة وأربع ، وخمس وكان ذلك الفقير يقوم في المجلس ويصيح : واه واه ، فيزعج الحاضرين ، وكان صالحا والظاهر تغير حاله ، فلما جلست في سنة ثلاث عشرة وستمائة عند الظاهر بقي ذلك الفقير يحترق ، ويقول : كيف أعمل ويرددها ، فقال الظاهر : قدموه إلى عندي ، فقدموه فقال له : هذا الذي يقول الشيخ ما هو بمليح ، قال : بلى ، قال : فإن أردت أن تصيح صح ، فعجب الحاضرون.
وحضرني في ذلك المجلس رجل عجمي يقال له أبو بكر النصيبي ، وكان صالحا ، وكان يحمل عصا أبنوس ، فطابت قلوب الجماعة في ذلك اليوم ، وبكوا ، فقام النصيب ودار ، وجاء إلى الظاهر ، وقال : أنت فرعون ما تتحرك ، وثار في وجهه مثل التفاحتين ، وخرج من المجلس فمات بعد ثلاث ، وحضرنا عنده يوم الخميس في دار العدل فجىء بامرأة قد كذبت على شخص واعترفت بالكذب ، فقال للقاضي ابن شداد : ما يجب عليها؟ قال التأديب ، قال : تضرب بالدرة شريعة ، ويقطع لسانها سياسة ، فقلت له : الشريعة هي السياسة الكاملة ، ما عداها يكون تغاضبا عليها ، فأطرق ، فأدبت المرأة ، وسلمت من قطع اللسان.
وله من هذا الجنس نوادر في الموارد والمصادر.
ذكر وفاته
توفى ليلة الثلاثاء العشرين من جمادى الآخرة بعلة الذرب ، ودفن بقلعة حلب ، ثم نقل بعد ذلك إلى مدرسته التي أنشأها ، وقام بعد ذلك ولده العزيز محمد ، وشهاب الدين طغريل الخادم أتابكه ، وقد اطرد هذا في قلعة حلب قبل أن يموت ، وخلف ولدا صغيرا ، ويكون أتابكه