ومن الشام العلم الفقيه نصر الله الجعبري إمام المعظم ، وحج المعظم في هذه السنة ، ومعه جماعة من خواصه : عز الدين أيبك ، وعماد الدين بن موسك ، والظهير بن سنقر الحلبي وغيرهم ، وسلكوا طريق العلاء ، وتبوك ، وجدد المعظم البرك ، والمصانع ، وأحسن إلى الناس ، وتلقاه سالم أمير المدينة وخدمه ، وقدم له الخيل والهدايا ، وسلم إليه مفاتيح المدينة وفتح الأهراء ، وأنزله في داره ، وخدمه خدمة عظيمة ، وسار إلى مكة فالتقاه أمير مكة ، وحضر في خدمته.
وحكى لي قال : قلت له : أين ننزل؟ فأشار إلى الأبطح بسوطه ، وقال هناك ، فنزلنا بالأبطح ، وبعث لنا هدايا يسيرة ، وحج السلطان على مذهب أبي حنيفة ، وأحيا السنة ، وأتى بجميع المناسك أحرم قارنا ، وبات بمنى ليلة عرفة ، وصلى بها الصلوات الخمس ، وسار إلى عرفة وقضى نسكه كما أمر الله تعالى ، وقد رأيت كتفيه بعد ما عاد ، وقد أكلته الشمس وانكشط ، وقيح ، فقلت : ما هذا؟ قال : ما غطيت رأسي ولا كتفي منذ ثلاثة عشر يوما ، وتصدق على فقراء الحرمين بمال عظيم ، وحمل المنقطعين وزودهم وأحسن إليهم ، ولما عاد إلى المدينة شكا إليه سالم جور قتادة ، فوعده ينجده عليه ، ولما عاد كنت مقيما بالكرك ، فخرجت إلى لقائه مع جماعة من الأعيان والأمراء ، والفقهاء ، والفقراء فما التفت إلى أحد منهم ، فلما رآني ترجل عن ناقته وعانقني ، وسرنا إلى زيراء ، وكان لقاؤنا له على غدير الطرفاء في البرية ، وشرع يحكي لي صفة حجه ، وما فعل ، وكان والده العادل على خربة اللصوص ، فقال : أريد أن ابغته حتى لا يلتقيني أحد ، وسار إليه واجتمع به ، وحكى خدمة سالم ، وتقصير قتادة فجهز جيشا مع الناهض ابن الجرخي إلى المدينة ، والتقاهم سالم وأكرمهم ، وقصدوا مكة فانهزم قتادة عنهم إلى البرية ، ولم يقف بين أيديهم .....
السنة الثانية عشرة وستمائة
وفيها قدم مسعود الجوادي رسولا من الملك الأشرف إلى الخليفة ،