وكان معنا من قرية واحدة يقال لها زملكا ، من قرى دمشق ، ثلاثمائة رجل بالعدد والسلاح ، وأما من غيرها فخلق كثير ، والكل خرجوا احتسابا وجئنا إلى عقبة فيق ، والطير لا يقدر أن يطير من خوف الفرنج ، فسرنا على الجادة إلى نابلس ، ووصلت أخبارنا إلى عكا ، وخرج المعظم فالتقانا ، وسرّ بنا ، وجلست بجامع نابلس وأحضرنا الشعور ، فأخذها وجعلها على صدره ووجهه وجعل يبكي ، وكان يوما عظيما ، ولم أكن اجتمعت به قبل ذلك اليوم ، وخدمنا وأكرمنا وخرجنا إلى نحو بلاد الفرنج فخرجنا وهدمنا وقطعنا أشجارهم ، وأسرنا جماعة ، وقتلنا جماعة ولم يتجاسروا أن يخرجوا من عكا ، فأقمنا أياما ، ثم عدنا سالمين إلى الطور المطل على الناصرة ، والمعظم معنا ، فقال : أريد أن أبني عليه قلعة ، فطلب أخاه الملك الأشرف ، وعساكر الشرق وحلب وشرع في عمارة الطور ، وأقام العسكر تحته من ذي الحجة هذه السنة سنة ثماني وستمائة ، فعمل سوره ودارا واستوى ، وخاف الفرنج ، فأرسلوا إلى العادل فصالحهم وأعطوا العسكر دستورا فتفرقوا ، والمعظم يعمر الطور إلى قبيل وفاة العادل فلا يحصى ما غرم عليه.
فصل
..... وفيها توفي أتابك نور الدين صاحب الموصل ، واسمه أرسلان بن عز الدين مسعود ، وكان متكبرا جبارا بخيلا ، فاتكا سفاكا للدماء حبس أخاه علاء الدين ، فمات في حبسه ، وولى الموصل رجلا ظالما يقال له السراج ، فأهلك الحرث والنسل ، وكان نور الدين يسىء التدبير ، وهو الذي كسره الأشرف على يوسري ، وعرض لنور الدين مرض السل فأقام يذوب ذوبانا ، ومات في صفر وخلف ولدين : مسعودا ولقبه القاهر وزنكي ، وأوصى إلى بدر الدين لؤلؤ أن يكون مسعود السلطان ، وزنكي في شهرزور ، وبعث بدر الدين العماد ابن يونس إلى بغداد يطلب الخلع مع بدر الدين محمد سبط العقاب فخلع عليه ......