وحج بالناس من العراق وجه السبع ، ومن الشام الشجاع بن علي بن السلار ......
فصل
وفيها توفي طاشتكين بن عبد الله التستري أمير الحاج والحرمين ولقبه مجير الدين حج بالناس ستا وعشرين حجة ، وكان في طريق الحج مثل الملوك ، فحسده ابن يونس ، وقال للخليفة : إنه يكاتب صلاح الدين ، وزور عليه كتابا فحبسه مدة ، ثم تبين له أنه بريء من ذلك فأطلقه ، وأعطاه خوزستان ، ثم أعاده إلى إمرة الحج ، وكانت الحلة السيفية إقطاعه ، وكان جوادا شجاعا ، سمحا قليل الكلام يمضي عليه الأسبوع لا يتكلم ، استغاث إليه رجل يوما فلم يكلمه ، فقال الرجل : الله كلم موسى فقال : أنت موسى؟ فقال الرجل : وأنت الله؟ فقضى حاجته.
وكان حليما التقاه رجل فاستغاث إليه في بوابه ، فلم يجبه فقال له الرجل أحمار أنت؟ فقال طاشتكين : لا ، وقام يوما إلى الوضوء فحل حياصته وتركها موضعه ، ودخل ليتوضأ ، وكانت الحياصة تساوي خمسمائة دينار فسرقها الفراش وهو يشاهده ، فلما خرج طلبها فلم يجدها فقال أستاذ داره : اجمعوا الفراشين ، وأحضروا المعاصير ، فقال له طاشتكين لا تضرب أحدا فالذي أخذها ما يردها ، والذي رآه ما يغمز عليه ، فلما كان بعد مدة رأى على الفراش الذي سرق الحياصة ثيابا جميلة وبزة ظاهرة ، فاستدعاه سرا وقال له : بحياتي هذه من ذيك؟ فخجل؟ فقال لا بأس عليك فاعترف فلم يعارضه ، وكان قد جاوز تسعين سنة فاستأجر أرضا وقفا ثلاثمائة سنة على جانب دجلة ليعمرها دارا ، فكان ببغداد رجل يحدث في الخلق ، يقال له قبيح المحدث فقال : يا أصحابنا نهنئكم مات ملك الموت ، فقالوا : وكيف؟ فقال : طاشتكين عمره مقدار تسعين سنة استأجر أرضا ثلاثمائة سنة ، فلولا علم أن ملك الموت قد مات ما فعل هذا ، فتضاحك الناس.