وفيها كانت حوادث عظيمة لم يتجدد مثلها في السنين الماضية ، منها : هبوط النيل ، ولم يعهد ذلك في الاسلام ، إلا مرة واحدة ، فإنه بقي منه شيء يسير ، واشتد الغلاء ، والوباء بمصر ، فهرب الناس إلى المغرب ، والحجاز ، واليمن ، والشام ، وتفرقوا تفرق أيدي سبأ ، ومزقوا كل ممزق أعظم من سنة اثنتين وأربعمائة في أيام المستنصر ، فإن كان الناس في هذه السنة كان الرجل يذبح ولده الصغير وتشاركه أمه في طبخه وشيه ، وأحرق السلطان جماعة فعلوا ذلك ، ولم ينتهوا وكان الرجل يدعو صديقه وأعز الناس عليه إلى منزله فيضيفه ، فيذبحه ويأكله ، وفعلوا بالأطباء كذلك ، وكانوا يدعونهم ليبصروا المرضى فيقتلونهم ويأكلونهم ، وفقدت الميتات والجيف من كثرة ما أكلوها ، وكانوا يخطفون الصبيان من الشوارع فيأكلونهم ، وكفن السلطان في مدة يسيرة مائتي ألف وعشرين ألفا ، وامتلأت طرقات المغرب ، والحجاز والشام برمم الناس وصلى إمام جامع الاسكندرية في يوم على سبعمائة جنازة.
قال العماد الكاتب : وفي سنة سبع وتسعين وخمسمائة اشتد الغلاء ، وامتد البلاء ، وتحققت المجاعة ، وتفرقت الجماعة ، وهلك القوي ، فكيف الضعيف ، ونحف السمين ، فكيف العجيف ، وخرج الناس حذر الموت من الديار ، وتفرق فريق مصر في الأمصار ، ولقد رأيت الأرامل على الرمال ، والجمال باركة تحت الأحمال ، ومراكب الفرنج واقفة بساحل البحر على اللقم تسترق الجياع باللقم ، وجاءت في شعبان زلزلة عظيمة هائلة من الصعيد فعمت الدنيا في ساعة واحدة فهدمت مدينة نابلس ، وبنيان مصر ، فمات تحت الهدم خلق كثير ، ثم امتدت إلى الشام ، والساحل ، فهدمت نابلس ، فلم تبق بها جدارا قائما إلا حارة السمرة ، مات تحت الهدم ثلاثون ألفا.
وهدمت عكا وصور وجميع قلاع الساحل ، وامتدت إلى دمشق فرمت بعض المنارة الشرقية بجامع دمشق ، وأكثر الكلاسة ، والمارستان النوري ،